تغييب برلمان السودان.. إنتهاك حكومة الثورة للدستور

22 أكتوبر 2020

على شاطئ النيل الأبيض، بمدينة أم درمان غربي العاصمة السودانية الخرطوم، يقبع جنود مدججين بالسلاح بمقر البرلمان، منذ عدة أشهر، تحت لافتة كُتب عليها المجلس التشريعي الانتقالي، لكن تحت قبته لا يوجد نواب، بعد.

ففي الوقت الذي ما يزال المجلس التشريعي الانتقالي مجرد لافتة، وتفرقت مسؤولية تأخير تشكيله بين أطراف السُّلطة الانتقالية، اعتمد مجلسا السيادة والوزراء يوم الأحد الماضي، في اجتماعهما المشترك، مواءمة اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، مع الوثيقة الدستورية، وهو الأمر الذي أثار الجدل في السودان حول مشروعية الخطوة وسلامتها الدستورية والإجرائية، في ظل غياب المجلس التشريعي الانتقالي، باعتباره صاحب الحق في إجراء التعديلات على الوثيقة الدستورية.

ومن ضمن التعديلات التي اعتمدها الاجتماع المشترك، إضافة ثلاثة مقاعد لمجلس السيادة الانتقالي، بالإضافة إلى تقرير الاجتماع إضافة مادة (٨٠) للوثيقة، والتي تختص بإنشاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية والذي يتكون من قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري والقوى الموقعة على اتفاقية السلام، لمناقشة القضايا السياسية الكبرى لتذليل عملية الانتقال، بحسب تعميم صحفي لمجلس السيادة الانتقالي، وهو الأمر الذي يثير المخاوف من أن تشكيل المجلس التشريعي، قد لا يزال بعيداً.

مخالفة:

يقول الخبير القانوني والدستوري، نبيل أديب، إن مخرجات الاجتماع المشترك تعني، أن هذه التعديلات أجيزت، وهي تُخالف نص المادة 79 الفقرة السابعة من الوثيقة الدستورية، التي تنص على أن أي تعديل على الوثيقة يجب أن يكون بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي.

لجنة تحقيق "مجزرة القيادة" تقر بصعوبة تحديد موعد لتسليم تقريرها النهائي
نبيل اديب: تعديل الوثيقة يعيد إلى الأذهان تاريخاً طويلاً في السودان من عدم الالتزام بالدستور

ويضيف، أن هذه الخطوة تعيد إلى الأذهان تاريخاً طويلاً في السودان من عدم الالتزام بالدستور، ويرى أن الحل هو الالتزام بالدستور ووضع ثقافة الالتزام به وبناء نظام ديمقراطي لأننا حتى الآن ليس لدينا نظام ديمقراطي، مطالباً بالضغط في اتجاه إرساء الالتزام بالدستور.

واعتبر أديب في حديث لـ(عاين)، أن القضية ليست في اتفاق السلام بحد ذاته، ولكنها تتعلق بالسلامة الإجرائية وعدم الالتزام بالوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن مسؤولية تشكيل المجلس التشريعي، هي مسؤولية قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري السابق.

ويوم الإثنين، أكد القيادي بقوى الحرية والتغيير إبراهيم الشيخ، في مؤتمر صحفي بالعاصمة السودانية الخرطوم، حسم قضية تشكيل المجلس التشريعي بنسبة 55%  للحرية والتغيير (165 مقعدا) و25%  للجبهة الثورية (75 مقعدا)، مشيراً الى أن إجمالي المقاعد للحرية والتغيير 240 مقعدا باعتبار أن الجبهة الثورية جزءاً أصيلا من قوى الحرية والتغيير، حسبما نقلت عنه وكالة السودان للأبناء ـ سونا.

صراعات:

الحاج حمد: “عندما تعقد اتفاقيات، وتوقع عقودات تجارية، وتجيز موازنات أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة العسكرية بدون رقابة، تكون مستفيداً من عدم وجود برلمان”

لكن مراقبين، يعزون تأخر تشكيل المجلس التشريعي، إلى صراعات داخل قوى الحرية والتغيير. حيث يقول المحلل السياسي، د.الحاج حمد محمد خير، إن الصراعات الثانوية داخل قوى الحرية والتغيير، تسببت في تأخير تشكيل المجلس التشريعي، معتبراً أنها أكثر تأثيراً من الصراعات الكبرى.

ويضيف خير لـ(عاين)، للمجلس التشريعي دور كبير جداً كسلطة رقابية، لذا فإن تأخير تشكيله مثّل مصلحة لجميع الأطراف، كما أن استمرار تغييبه يصب في ذات الاتجاه، “عندما تعقد اتفاقيات، وتوقع عقودات تجارية، وجود موازنات أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة العسكرية بدون رقابة، تكون مستفيداً من عدم وجود برلمان”، يوضح المحلل السياسي.

ويرى أن إعلان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في وقت سابق، إن تطبيع العلاقة مع دولة إسرائيل، يحتاج بالفعل، إلى موافقة المجلس التشريعي، لأنه أمر سيادي، ويتطلب إجازة تشريعية، وأقرب مثال لذلك، إجازة إسرائيل لاتفاقاتها مع دولتي الإمارات والبحرين من خلال برلمانها.

ويشدد خير على أنه إذا ما تم تشكيل المجلس التشريعي، فإنه في الغالب سيكون خارج سيطرة تلك القوى، لوجود كتلة ثورية شابة، وهي بإمكانها ممارسة ضغوط رقابية على هياكل السلطة الأخرى.

“تأخر تشكيل المجلس التشريعي، تتحمل مسؤوليته قوى الحرية والتغيير، بسبب ضعفها وصراعتها فيما بينها”، يقول رئيس الحزب الاتحادي الموحد، والقيادي بالحرية والتغيير، محمد عصمت يحيى.

محمد عصمت: تأخر تشكيل المجلس التشريعي، تتحمل مسؤوليته قوى الحرية والتغيير، بسبب ضعفها وصراعتها فيما بينها

ويضيف يحيى في حديث لـ(عاين)، أن الخروقات الدستورية المستمرة للوثيقة الدستورية، وآخرها، اعتماد الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء، لاتفاق جوبا، قد يضع البلاد في حالة سيولة دستورية، ربما تكون نتائجها كارثية على الوضع السياسي، بالإضافة إلى أنها تُفرغ الوثيقة الدستورية من مضمونها.

ويعتقد القيادي بالحرية والتغيير، أن تشكيل المجلس التشريعي، ليس أمراً واضحاً بعد، فضلاً عن أنه معقد جداً، متسائلاً عن مصير انضمام ممثلين لحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، والحركة الشعبية ـ شمال بزعامة عبد العزيز الحلو، للمجلس التشريعي، بخاصة أن الشعبية كان من ضمن اتفاق إعلان المبادئ الذي سبق محادثات السلام في جوبا العام الماضي، والذي يقر نسباً في المجلس التشريعي، مشيراً إلى أن الحل يكمن في استعادة جميع الفاعلين رشدهم السياسي، وتوحد قوى الحرية والتغيير من جديد لاستكمال مطلوبات الانتقال بما فيها المجلس التشريعي.

إنقلاب:

غير أن تجمع المهنيين السودانيين، يرى خطوة الاجتماع المشترك باعتماد مواءمة اتفاق السلام مع الوثيقة الدستورية بمثابة انقلاب. ويقول عضو سكرتارية التجمع، حسن فاروق، إن إجراء مثل هذا التعديل هو حق حصري للمجلس التشريعي الانتقالي، وبالتالي، فإن هذا يؤشر على الإصرار على مواصلة الخروقات الدستورية.

حسن فاروق: تجمع المهنيين السودانيين، يرى خطوة الاجتماع المشترك باعتماد مواءمة اتفاق السلام مع الوثيقة الدستورية بمثابة انقلاب

ويُحّمل فاروق في حديث لـ(عاين)، مسؤولية تأخير تشكيل المجلس التشريعي، لجميع الأطراف الفاعلة في المشهد، وخصوصاً تلك القوى، التي قال إنها  تنشط في تيار الهبوط الناعم وهي الآن انتظمت في تحالفات للالتفاف على الثورة وقطع طريقها،  موضحاً أن ما يجري حالياً يؤكد صحة موقف تجمع المهنيين، بتجميد عضويته في المجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير.

ويقول إن التجمع، سيناهض كل هذه الاتجاهات التي تعمل على إفراغ الثورة من مضمونها، ومحاولتها خلق واقع جديد.

وكانت الوثيقة الدستورية الموقعة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري في السابع عشر من أغسطس العام الماضي، نصّت على هياكل السلطة الانتقالية التي تتضمن مجلسي السيادة والوزراء بالإضافة إلى المجلس التشريعي، ولكن بعد مرور أكثر من عام لم يتم تشكيل المجلس بعد، حيث يُجيز مجلسا السيادة والوزراء التشريعات خلال اجتماع مشترك.

وبحسب الاتفاق، فإن المجلس التشريعي يتشكل بنسبة 67 في المئة  من قوى الحرية والتغيير و33 في المئة للمجلس العسكري، في مدة أقصاها 90 يوماً، ويعتقد بعض المراقبين أن تأخر تشكيل المجلس التشريعي ظل أسيراً  لتقاطعات مع ملفات أخرى، مثل توقيع اتفاق سلام مع الجبهة الثورية والتي طالبت بعدم تشكيله حتى الوصول لاتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية.

وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، قال في وقت سابق، إن تشكيل المجلس التشريعي هو مسؤولية قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري السابق، وإنهم  كحكومة يأملون في تشكيله ليشكل سلطة رقابية على الأجهزة التنفيذية.

نقاط ضعف:

وكثيراً ما دعت قوى الثورة إلى ضرورة الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي، وسيّرت لجان المقاومة مواكب للمطالبة بذلك، في وقت ظل فيه دول الترويكا، تنادي من وقت لآخر بتشكيل المجلس التشريعي.

ويوم الثلاثاء، انتقد سفير الممكلة المتحدة بالخرطوم، عرفان صديق، في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع تويتر، عدم تشكيل المجلس التشريعي، وقال صديق، إن مسؤولية مراقبة أداء الحكومة الانتقالية تقع على عاتق المجلس التشريعي، معتبراً أن تأخير تشكيله يُمثل إحدى نقاط الضعف الرئيسية في المرحلة الانتقالية حتى الآن.

وأضاف: “الآن اتفاق جوبا اكتمل، يجب تشكيل المجلس التشريعي، لا توجد أعذار”.

لكن، مساعد كبير مستشاري رئيس الوزراء، أمجد فريد، قال إن تغريدة سفير المملكة المتحدة بالخرطوم غير مقبولة، وأنها تتجاوز الكثير من الخطوط الدبلوماسية.

وأضاف فريد، في تغريدة رداً على عرفان، إن الحكومة غير مسؤولة عن تشكيل المجلس التشريعي وإنما تقع على عاتق قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري السابق، وأنه فشل في فهم سياق هذا الأمر.