انتخابات السودان : الفشل الذريع والعاصمة تتحول الى مدينة اشباح
ضربت المقاطعة الشعبية غير المسبوقة انتخابات رئاسة الجمهورية والبرلمان القومي والولائية في مقتل بعد عزوف لافت للناخبين من السعي الى مراكز الاقتراع، في الاثناء تحولت العاصمة السودانية الخرطوم الى “مدينة اشباح” بعد خلو وسط الخرطوم من المارة والمركبات فيماعدا القليل منها ، وعمقت العطلة الرسمية التي اعلنتها الحكومة في ساعة متأخرة من ليل امس “الاحد” من ازمة المقاطعة اذ لزم المواطنون منازلهم وافسدوا على النظام خطته بتأخير اعلان “العطلة الرسمية” للحيلولة بين المواطنين والسفر الى الولايات.
وكشفت جولة سريعة لـ (عاين ) على أربع مراكز بوسط العاصمة السودانية الخرطوم قلة اقبال الناخبين التي اوشكت ان تصل حد المقاطعة الشاملة منزوعة الصلة بحملات “ارحل” التي سيّرتها المعارضة السودانية تحت لواء “نداء السودان” والتي دعت من خلالها إلى مقاطعة الانتخابات والتي أعطت العملية الانتخابية زخماً إضافيا باعتراف قادة النظام .
توقعات الا تتجاوز عملية التصويت نسبة 10 % في الايام الثلاث
وتوقع مراقبون تحدثوا لـ (عاين ) ان توصم العملية الانتخابية الحالية بلقب “الانتخابات الاسوأ في تاريخ السودان” ، فيما رحجت مصادر موثوقة ان لاتتعدى نسبة المشاركة في الانتخابات في ايامها الثلاث نسبة 5% وربما تصل الى 10% في افضل الظروف ، وعانت الانتخابات الاخيرة من عدم أكتراث واهتمام الغالبية العظمى من المواطنين خلاف الانتخابات السابقة التى جسدت حراكا سياسيا وانتخابيا واسعا ، وينظر الكثيرون داخل وخارج السودان للانتخابات الحالية التي وصمت بـ(الفاشلة) او(الميتة) بالكثير من الريبة والشكوك بشأن نزاهتها بسبب مقاطعة احزاب المعارضة الرئيسية لها والتى طالبت بتاجيلها لحين ان يصبح الوضع ملائما لاجرائها ، الامر الذي رفضه النظام بحجة ان الانتخابات استحقاق دستوري لايستطيع الغائه خشية وقوع البلاد في فراغ دستوري – حسب زعمه- وراجت شائعات قوية وسط المواطنين ان النظام سيتدخل عبر تدابير مباشرة او غير مباشرة لحمل المواطنين على الاقتراع بينها عرقلة سفر المواطنين بين العاصمة والولايات ، واعطاء بعض منسوبي اجهزة النظام الأمنية والشرطة توجيهات بارتداء ازياء مدنية، ومن ثم يتم تصويرهم واعتبار ذلك نوع من الحشود والتدافع من اجل الانتخابات المزعومة .
النوم واحتساء الشاي ابرز مشاهد مراكز الاقتراع
وشهدت “مدرسة القديس فرانسيس” قرب القيادة العامة للجيش السوداني وقبالة رئاسة جهاز الامن والمخابرات بالخرطوم حيث ادلى الرئيس البشير وكبار معاونيه نوعا من الحركة بصفتها”المركز النموذجي” نوعا من الحراك اذ اتخذتها الفضائيات الدولية والمحلية موئلا لتصيد الاخبار وشهد المركز زيارة خاطفة رئيس وفد المراقبة رئيس بعثة مفوضية الاتحاد الأفريقى لمراقبة الانتخابات السودانية اولسيجون اوباسانجو، لكن يبدو ان المركز واقع تماما تحت سيطرة الاجهزة الامنية حيث ينتشر رجال الامن بالملابس المدنية بطريقة لاتخطئها الاعين داخل ردهات المركز .
لكن الجولة لم ترصد وجود ناخبين داخل المراكز – بمافيها مركز مدرسة القديس فرانسيس- باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، ويبلغ عدد المراكز في الخرطوم ( 819 ) مركزاً ، والمنتشرة في ولايات السودان الثمانية عشر حوالي ( 6 ) الف مركز ، فيما عدا ( 7 ) مناطق في ولاية جنوب كردفان لن تشهد العملية الانتخابية بسبب الظروف الامنية – بحسب مفوضية القومية للانتخابات ، ووجد بعض الناخبين على قلتهم البائنة صعوبة شديدة ، كما علمت (عاين ) في التعامل مع بطاقات الاقتراع واصفين العملية بالمعقدة ، فيما اكتفى وكلاء مرشحي الأحزاب باحتساء الشاي والقهوة تحت ظلال الأشجار وتحت السرادق المنصوبة امام المراكز، فيما انشغل بعض رجال الشرطة المنتشرين بكثافة بمطالعة الصحف والتركيز على شاشات أجهزتهم الذكية ، واضطرت موجة الاقبال الشحيح جدا على مراكز الاقتراع مناديب مفوضية الانتخابات الى التمدد بكسل فوق المناضد على النحو الذي تدوالته مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ، و”واتساب” منذ وقت مبكر ليوم”الاثنين”.
مواطنون : الانتخابات الحالية ستعمق ازمة البلاد
وقال المواطن على احمد الامين من منطقة امبدة بامدرمان لـ (عاين ) ، ( أقسم بالله العظيم حتى الآن أسمع بالانتخابات ولم أعرها اهتماما لأنني مستاء جدا بأنني ولدت في السودان وأكملت تعليمي فيه ، وأصبحت عاطلاً في السودان)، وقال المواطن حسين سليم علي لـ (عاين ) من منطقة جبل اوليا بالخرطوم ( ما يسمى بالانتخابات، ستعمق الأزمة السودانية دون شك اما الذين لا يتورعون عن وصفها بأنها الطريق الوحيد لتداول السلطة هم أنفسهم من انقلبوا على السلطة المنتخبة ) ، ويؤكد الرجل ان ( الحل في تسليم القيادة لسودانيين مؤهلين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعلم والحياد تمهيدا لانتخابات حقيقية – دي طريقة سودانية ممكنة، ولكن من أين أتى هؤلاء؟) ، واضاف اخر طلب حجب اسمه لدواعي امنية ( الحل هو إسقاط النظام الحاكم الآن، وإبعاد كل من له صلة به، ووضع رؤية ومشروع سياسي يتقبل كل الشعب السوداني مختلف مكوناته الثقافية والإجتماعية والدينية والعرقية، وتكوين نظام فدرالي علماني ليبرالي ديمقراطي تكون فيه المواطنة على أساس الحقوق والواجبات) .
ويشارك 44 حزباً في الانتخابات الحالية ابرزهم المؤتمر الوطني – الحاكم – الذى يسعي الى الفوز بمنصب الرئاسة لصالح البشير الذي يعد المرشح الاوفر حظا وسط المرشحين المغمورين ، ومقاعد المجلس التشريعي القومي والمجالس التشريعية في الولايات ، وبحسب المفوضية القومية للانتخابات فان عدد المرشحين للدوائر القومية “احزابا ومستقلين “، بلغ (1072 ) مرشحا و(2235) مرشحا للمجالس الولائية ، الى جانب مرشحي الرئاسة البالغ عددهم (16 ) مرشحا بينهم سيدة واحدة هي البروفيسور فاطمة عبد المحمود رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي السودانى الديمقراطي الذي اسسه الرئيس الاسبق جعفر نميري الذي اطاحته بنظامه ثورة شعبية في 6 ابريل 1985م .
واكتفى مرشحو الرئاسة والدوائر النيابية برفع لافتات وبث اعلانات محدودة للغاية في بعض الصحف السيارة وكما تثبتوا لوحات اعلانية تخصهم امر ترشيحهم على زجاج بعض السيارات التى وضعت داخلها مكبرات صوت للتعريف بالمرشح ، في ظل تساؤل كثيف عن اوجه صرف ميزانية الانتخابات تعدت (800) مليار جنيه.
انتخابات بدون رقابة دولية
واستثار موقف الاتحاد الاوربي من الانتخابات الحالية غضبة النظام واجبره على استدعاء السفير الأوروبي بالخرطوم لابلاغه احتجاجها على بيان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، الذي تضمن موضوعات متعلقة بالسودان وصفتها بانها “غير صحيحة ومغلوطة”، وأكدت الخارجية السودانية، في بيان ، أنها اطلعت على البيان الصادر الخميس عن فريدريكا موجيرينى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي ونائبة رئيس المفوضية الأوربية، الذي تناول عدة موضوعات واكدت على ان الشعب السودانى الوحيد الذى يؤكد على نزاهة الانتخابات – حسب البيان- .
وكانت احزاب المعارضة الرئيسية قد اعلنت مقاطعتها للانتخابات وضرورة ان (يرحل) نظام البشير لانه لم يعد النظام الافضل لانتشال السودان من الواقع السياسي والاقتصادي المتردي الذى يعيشة بعد انفصال الجنوب والتدهور الامني فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان ، بالاضافة الى التردي المريع فى الخدمات الصحية والتعليمية وهجرة غير مسبوقة للكوادر السودانية الى الخارج بحثاً عن فرص عمل وحياة افضل وغيرها من القضايا الداخلية والخارجية الملحة وعلى رأسها الصراع المسلح في اطراف السودان ، غير أن الحملة حققت اهدافا عكسية اذ منحت انتخابات النظام نسبة ضئيلة من “الاوكسجين” بعد ان ولدت ميتة تماما – وفق محللين سياسيين .
الاحزاب المعارضة تقول رأيها
مالك ابو الحسن القيادي بحزب المؤتمر السوداني وعضو مجلسه المركزي قال لـ(عاين) أنه ذهب بنفسه الي مركز الانتخابات القريب من مكان سكنه بالمعمورة مربع (84 ) الكائن بمدرسة الخنساء وشاهد عدم وجود مصوتين داخل المركز الا أمراة واحدة فقط ، واعتبر ابو الحسن أن الشعب السوداني قال كلمته في هذه الانتخابات بشكل واضح لا لبس فيه وانها لا تعنيه في شيء ولا يهتم ولا يكترث بها من الاساس ، ويقول ابو الحسن أن حملات المعارضة التي تبنتها في الايام الماضية من أجل مقاطعة الانتخابات مثل حملة (ارحل) وحملات الاحزاب الاخري والقوي الشبابية قد تكون احدثت الاثر الذي يراه المراقبون الآن من خلو مراكز التصويت من الناخبين خلوا لم تشهده اي انتخابات تم اجرائها في السودان منذ نيله الاستقلال في العام 1956م أو أن الشعب ادرك بذكائه أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لن يقدم له جديدا في مقبل الايام بعد 25 عاما في الحكم ، ويضيف ان ماحدث يعتبر استفتاء حقيقي علي عدم وجود المؤتمر الوطني في الشارع السوداني وعدم اقناعه لاي ناخب ليصوت له بعد الفشل الذريع الذي حققه في الحكم طوال الاعوام الماضية وأن الشعب قال كلمته وتبقت الانتفاضة علي النظام من أجل اسقاطه من حكم البلاد بعد هذا الرفض الشعبي وتقع ابو الحسن أن يحدث اصطفاف جديد يعمل بقوة من اجل اسقاط النظام الذي لا يعترف بديمقراطية او حرية وحقوق انسان
من جانبه وصف عثمان إدريس ابو رأس ل(عاين ) الانتخابات بالعبثية والطرافة في آن واحد ودلل علي ذلك بأن المراكز لا يوجد بها ناخبين وعلي الرغم من ذلك يقول مراقبون أنها انتخابات شفافة ونزيهة وبها حرية وديمقراطية والشعب يتدافع عليها رغم أنهم يقفون امام مراكز خاليه الا من موظفي الانتخابات والشرطة التي تقوم بتأمين العملية ، ويقول ابوراس ان شعب السودان الحي قد قاطع الانتخابات التي يعلم سلفا انها مزورة وضد الارادة الشعبية ولن تنتج جديدا وانه استجاب لدعوات المعارضة التي اطلقتها وهي مؤشر علي ان النظام صار معزولا اكثر من ذي قبل والنظام نفسه يعلم ذلك .
وتوقع ابو رأس أن تظل الاومة موجودة بعد نهاية هذه الانتخابات غير المجدية في المنطقتين ودارفور والازمة الشاملة للنظام والعزلة المحلية والاقليمية وان تتفاقم ازمة الاقتصاد ويزيد التفسخ في النظام من داخله رغم اقتراب المؤتمر الشعبي منه ومجموعات مثل السائحون وخلافه وتوقع ابو رأس تغيير في خارطة النظام والمعارضة بعد انقضاء الانتخابات واعلان النتيجة .
تأجيل الانتخابات في بعض المناطق في شمال دارفور
في السياق كشفت شبكة المنظمات الوطنية لمراقبة الانتخابات تأجيل عملية الاقتراع بمحليات ( كرنوي ، ام برو والطينة ) في شمال دارفور حتى الخميس القادم بحجة عدم وصول صناديق الاقتراع في الوقت المعلوم، وقال الناطق الرسمي باسم الشبكة يس عبدالرحمن خلال تنوير صحفي بالمركز الصحفي لرقابة الانتخابات بقاعة الصداقة (الاثنين) ان عدد المنظمات بالشبكة حوالي 37 منظمة ، موضحاً ان بعضها شارك خلال انتخابات 2010 ، مبيناً ان عدد مراقبين الشبكة يصل الي اكثر من 3 الف مراقب ، فيما تصل التقارير علي رأس كل ساعة الي غرفة العمليات من كل مناحي السودان ، ونبه عبدالرحمن الي عدم وصول السجل الانتخابي و بطاقات الاقتراع علي منصب الرئيس الي بعض دوائر مدني بولاية الجزيرة ، فضلا عن عدم وصولهما الي مركزين بمدنية نيالا وهما ” مركز رقم 4 ومركز سليمان الفارسي “، مؤكداً رصد مراقبي الشبكة استيباب الامن وان اغلب المراكز فتحت للعمل في مواقيتها المعلن ، في وقت تدفق فيه المراقبين المحليين والدوليين ، بالاضافة الي تواجد وكلاء المرشحين علي مختلف المستويات الانتخابية ، ولفت عبدالرحمن لارتفاع اعداد المقترعين مع توغل ساعات النهار ما صنع اقبال نسبيا – حسب قوله-