النساء النوبيات: حضارة ومقاومة متجددة

تمثل المراة عند المجتمعات النوبية المحرك الأساسي للحياة اليومية، في مجتمعات رجالها في حالة حل وترحال للبحث عن مقومات حياة أفضل، لذا صارت المرأة هي العائل الأول، تقوم مقام الأب وتلعب دورها الطبيعي كأم. فاستطاعت أن ترفد الحياة بقادة مجتمع فاعلين. وتتساوى المراة مع الحضارة النوبية من حيث الريادة فإذا كانت حضارة كوش “كرمة” هي أولى حضارات الأرض، فإن المرأة النوبية هي أول امرأة قائد “حاكم” منذ عهد “اماني ريناس” التي استطاعت أن تدك جحافل الجيوش، فالأنثى عند النوبيين مُكرمة قبل أن يعرف العالم تكريمها.

تعتبر الحضارة النوبية هي أم الحضارات في الارض، بعدها التاريخي قديم، يعود الى الالاف السنين من القرون الماضية. تقع بلاد النوبة في منطقة جنوب مصر مايعرف حالياُ بالسودان، وهي المنطقة التي تعود إليها جذور الحضارة الفرعونية الأولى التي امتدت الى شمال الشلال السادس لتضم مصر حالياً. وهي المنطقة التي تعرف ب” كوش” ذات العمق الافريقي ممتد الجذور، ويرجع باحثو التاريخ هذه الحضارة الى 2500 قرن قبل الميلاد في عاصمة كانوا يطلقون عليها اسم “كرمة القديمة “ التي تم فيها الكشف عن مدافن اثرية غنية بالحضارة، و تقسم الحضارات النوبية إلى مجموعات سفلى ،ووسطى، وعليا.

النساء النوبيات: حضارة ومقاومة متجددة - فاطمة عثمان

رافضات للسدود

تعرض النوبيين لعمليات تهجير قسري على مر التاريخ حيث كان تشريدهم الأول في العام 1906 بسبب بناء سد أسوان و1964 عند بناء السد العالي. وكانت الحكومة السودان قد شرعت فعلياً في بناء سدود جديدة بمناطق النوبيين اقصى شمال السودان الامر الذي وجد رفضاً قاطعاً من الاهالي منظمين انفسهم في حملات رفض ومناهضة قوية. تكرر هذا الأمر في خطاب المرأة النوبية حيث قالت رجبيه طه لشبكة عاين “ليه يعملوا لينا سد نحن قاعدين زي الحلاوة حيودنا وين” وتتفق معها في الرأي فاطمة عثمان قائلة “نحن ما دايرين سد” واصفين بلدهم بالامان “بلدنا أمان مافيها شي يخوف ولا انسان غريب ممكن نبيت ونقيل في الشارع لانو بلدنا أمان” وتتفق معهم في الرأي طيبة محمد صالح موضحة أنه في حال تخليهم عن أراضيهم بسبب السد يفقدون الحاضر والماضي”إذا طلعنا بسبب السد لا نلقى دا ولا دا“.

فن وتلييس

ارتبطت الحضارة النوبية بفن المعمار وتشيد المنازل بطرق مختلفة حيث توضع المباني بشكل محدد يطلق عليه النوبيين ” التليس” تتخذ الغرف المنشأة من الطين أشكال هندسية مختلفة، تتسم باختفاء الشبابيك التي تستبدل بفتحات صغيرة أعلى المبنى. ولغياب الشبابيك في فن عمارتهم رمزية فمنهم من يقول انها لاتقاء خطر الرياح الباردة وآخرون يقول انها للحماية من خطر الضواري” الحيوانات” المفترسة. وتلعب المرأة دوراً بارزاُ في فن العمارة بمناطق النوبة خاصة فيما يختص بالتزين او ما يعرف ب”الديكور”. ويقول بوكاب “من العادات النوبية التعامل مع البيت النوبي، يعملو ليهو لياسة برا وجوا في شكل نخيل وصفق. ده بنلقي النسوان يقوموا بهذه الأشياء وفي نسوان متخصصات في التلييس“. وتصف الحاجة رجبية صه بقرية سركمتو عملية التلييس قائلة “نرتب ونلبس ونليس كلي شيء” وهنا تبرز ثقافة العمل الجماعي حسب بوكاب “مافي زول بشتغل براهو عايزين يليسو بشتغلو مع بعض عايزين يعملو ريحة يشتغلو مع بعض

النساء النوبيات: حضارة ومقاومة متجددة

النساء محفظة اللغات

تعتبر المرأة هي حارس البوابة للإرث الثقافي الذي يرتكز في الأساس على اللغات. ويُعرف علماء الألسن واللغات اللغة الأم بأنها هي اللغة التي يأخذها الطفل مباشرة دون الجلوس في قاعات الدراسة للتعلم. وتعتبر اللغة النوبية هي أكثر اللغات المُحافظ عليها بالسودان، وهي لغة أهل الشمال عدد الناطقين بها 11 مليون نسمة موزعين بين اقصى جنوب مصر واقصى شمال السودان. وترجع محافظة النوبيين على لغاتهم لدور الأم في تعليم حديثي الولادة لغتها الرسمية، رافضين في ذلك إهمال الدولة السودانية اللغات الأفريقية الاخرى “لغة الأم” والاستعاضة عنها باللغة العربية كبديل أزاح غالبية اللغات الافريقية بالسودان. ويقول بوكاب “الدولة السودانية تعتمد اللغة العربية هي اللغة الأساسية دون اعتبار اللغات الأفريقية الأخرى” وقائلاً “طالما في أنثى بتعلم طفلها اللغة النوبية فلا خوف على اللغة النوبية“. وتشكل اللغات مدخل أساسي للحضارة الانسانية فضلاً عن انها رمز للتنوع الذي يشكل الريادة إذا ما أدير بشكل أمثل.

النساء النوبيات: حضارة ومقاومة متجددة- الاستاذ سمير بوكاب (ود آمنه)

“حقُ قديم”

ارتبطت الحضارة النوبية في اقصى شمال السودان بدور المراة الرائد في القيادة والدفاع عن أرضها منذ الملكة أماني ريناس التي تولت قيادة منطقة كوش منذ العام 40 قبل الميلاد إلى العام 10 ميلادية. استطاعت في تلك الفترة من صد هجمات متتالية على كوش كان تأتي من الناحية الشمالية. لذلك يصنف النوبيين انفسهم بانهم اول من اعطى المراة حقوقها في الريادة والقيادة قبل أزمان بعيدة وليس الغرب “اوروبا وامريكا“. ويقول الاستاذ سمير بوكاب ود آمنه لـ(عاين) “نحن منحنا المراة حقها قبل الالاف السنين في أن تحكم فليست فرنسا او بريطانيا او اوروبا التي اعطت المراة حقها بل نحن النوبيين الذين اعطينا المراة حقها في أن تكون امرأة” موضحاً أن مناداة الرجل باسم أمه يندرج ايضاً تحت إعلاء شأن المرأة وإكرامها بل هو مصدر فخر الرجال حينما يطلق عليه اسم والدته “النوبيين بسمو ابنائهم باسماء امهاتهم مافي عيب انا مثلاً ينادوني سمير امنة ومبسوط من كده“.