الناسور البولي: الحرب الخفية التي تواجه نساء دارفور
– شبكة عاين – ١٤ ديسمبر ٢٠١٥ –
“وصلتُ الى مرحلة اصبحتُ لا اطيق نفسي بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث مني، بعد ان اصبت بمرض الناسور البولي”، هكذا تقول سمية آدم التي وضعت مولودها قبل ان تصل الى غرفة العمليات في مستشفى زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وكانت المفاجأة بالنسبة لها ان عملية الوضوع تمت بشكل طبيعي دون تدخل طبي كما توقعت.
وينتشر مرض الناسور البولي في السودان بنسبة (14) بالمئة من النساء، واكثر المناطق التي ينتشر فيها المرض هي ولايات دارفور بسبب انعدام التوعية الصحية، وتعتبر الولادة المتعثرة هي الاكثر شيوعاً وخطورةً وسط النساء صغيرات السن في المناطق النائية التي تنعدم فيها الخدمات الصحية ولا توجد فيها رعاية طبية للحوامل وغياب للقابلة المدربة، فان الحامل البكر التي تعاني من ضيق الحوض او وضع الجنين غير الطبيعي عرضة لمشكلة الناسور البولي بعد الولادة.
حالات طلاق وعزلة اجتماعية لمرضى الناسور
وتقول سمية آدم لـ (عاين) ان وضعها الصحي قد تدهور بعد ان فشلت العملية الجراحية التي اجريت لها، وتضيف انها دخلت في حالة غيبوبة ولاحظت وجود تورم في قدميها، وقد مكثت نحو سبعة اشهر في المستشفى في انتظار اجراء عملية جراحية ثانية، ولكن وضعها الصحي تحسن الى حد ما، ورددت بأسى انها اصبحت في عزلة اجتماعية بسبب هذا المرض حيث بات الناس لا يطيقون الجلوس معها وقد صارت تعيش حالة نفسية سيئة.
وتمضي في ذات الاتجاه المريضة حواء صديق حمزة من قرية (الملم جرو) في محلية (عد الفرسان) ولاية جنوب دارفور، وحواء سيدة متزوجة توفي طفلها الاول اثناء الولادة التي جرت على طريقة (ولادة الحبل) وفي هذه الحالة تقوم المرأة الحبلى بشد (حبل متين ) وهي جالسة على ركبتيها وسط مجموعة من نساء القرية لتضع مولودها ، وهذه الطريقة منتشرة في المناطق النائية حيث لا تتوفر الخدمات الصحية واحياناً ما تؤدي هذه الطريقة الى مشاكل للنساء اثناء الوضوع او الجنين نفسه، وكثيراً ما تصاب النساء بمرض الناسور البولي ، وهذا ما حدث مع حواء.
تقول حواء لـ (عاين) انها اصيبت بمرض الناسور البولي في العام 1998، وقد تعايشت مع المرض لمدة 15 عام، بعد ان انجبت مولودها الاول على طريقة ولادة (الحبل) بسبب عدم وجود مركز صحي في المنطقة او قابلة مدربة ، وقد تدهورت حالتها الصحية وتم تحويلها الى مستشفى نيالا في جنوب دارفور ومكثت فيه اربعة ايام، ومن ثم تم تحويلها الى مستشفى الفاشر في شمال دارفور وقد امضت فيه اربعة اشهر.
وتسرد حواء قصتها المأسوية مع المرض والعزلة الاجتماعية التي مرت بها، الى درجة أن زوجها انفصل عنها بسبب المرض، وتقول انها مرت بحالة نفسية سيئة بعد ان طلقها زوجها واصبحت تواجه تكاليف العلاج لوحدها علاوة على العزلة الاجتماعية التي تعيشها، حيث ينظر الناس اليها باشمئزاز ويبتعدون عنها، وتشير الى ان وضعها الصحي والنفسي في تدهور مستمر، وتقول (انا ابتعدت عن الناس وصرت منزوية واصبحت وحيدة في الفاشر لا يزروني اي من الاقارب أو الجيران).
ويشير الطبيب صالح الطاهر الذي يعمل في مستشفى الفاشر الى ان حالات الطلاق منتشرة وسط النساء اللاتي اصبن بمرض الناسور البولي، وإن حالات العزلة الاجتماعية اصبحت اكثر شيوعاً وهو ما يزيد من تدهور حالتهن النفسية، وأضاف إن هنالك حالة واحدة حظيت بإهتمام من الزوج الذي رافق زوجته المريضة بالناسور لمدة ستة اشهر متتالية.
تزايد في اعداد المرضى
يقول صالح إن عدد العمليات التي اجريت في مستشفى الفاشر في شمال دارفور في الفترة من (2007 الى 2015) عددها سبع عمليات للنساء كلها كانت للناسور الشرجي، ويشير الى وجود طفلة واحدة في احدى القرى الواقعة بالقرب من منطقة (تلس) في جنوب دارفورالتي تنعدم فيها اقسام خاصة لمرضى الناسور البولي، ويقول (هناك بعض النساء شفين من مرض الناسور وتم ادماجهن في المجتمع مرة أخرى وبعضهن بأشرن اعمالهن في التجارة والزراعة وهذا يشكل حالة استقرار لهن ).
من جهتها تقول خبيرة نفسية لـ(عاين) ان حالة المرضى في السابق افضل من اليوم نسبة لاقامة مخيمات لاجراء العمليات من قبل أطباء اجانب من ضمنهم الدكتور جون كلى الذي كان يشارك الاطباء السودانيين من بينهم الطبيبين آدم صالح ومحمد سليمان، مؤكدة حوجة المرضى الماسة لإستخدام (الفوط)، وناشدت السلطات الولائية والاتحادية بتوفير الإحتياجات البسيطة مثل الادوية لان الاوضاع الاقتصادية لن تمكن المصابات من توفير كافة الإحتياجات ، وتشير الى ان المرضى يتحملون كافة التكاليف من بوابة المستشفى الى اجراء العمليات.
مأساة الطفلة زينب
“لم نكن نعلم في يوم من الايام بمرض الناسور البولي لاننا نتحرك وفق هطول الامطار بحثاً عن الكلا لماشيتنا، وفي يوم من ايام الترحال سقطنا أنا وطفلتي من الحمار”، هكذا بدأت حواء محمد قصتها لـ (عاين)، وهي والدة الطفلة زينب يعقوب التي تبلغ من العمر (11) عاماً، وتضيف (بعد وصولنا الى مستشفى تلس في جنوب دارفور، تم تحويلنا فوراً الى مستشفى نيالا ومنها الى مستشفى الفاشر في شمال دارفور)، وقرر الطبيب اجراء عملية جراحية عاجلة بعد ظهور اعراض الناسور الشرجي.
وتقول حواء ان الازمات بدأت تتوالى عليها حيث ان تغيير (القصطرة) يومياً تكلف ما بين (100 الى 200) جنيه، وتضيف (زوجي عاطل عن العمل وبدأ الخلاف بيننا في ترحيل الطفلة لاخذ العلاج في اي مكان وقررنا ان نفترق ووقع الطلاق)، وقد قررت ان تتولى علاج طفلتها لوحدها وتتحمل تكاليف العلاج مع اقرباءها الذين استقرت معهم، وتقول انها تواصل علاج طفلتها منذ ثلاث سنوات.
قصور الاطباء وانين المرضى
يقول المواطن محمد صالح من مدينة الفاشر ان الاطباء لا يولون المرضى الاهتمام اللازم حيث اجرت زوجته عملية جراحية في مستشفى الفاشر وانه لم يشاهد الطبيب بعد اجراء العملية، ويشير الى انه ظل مرافقاً لزوجته المريضة بالناسور البولي لست اشهر في المستشفى وان الاطباء لا يعاودون المريضات في المرور اليومي الا بعد الحاح المرافقين، وقد ترك صالح عمله بسبب مرافقته لزوجته في المستشفى، وقداستنزف العلاج كل مدخراته المالية بسبب التكاليف الباهظة للعلاج والاحتياجات اليومية، ويضيف (الان انا في وضع صعب للغاية وانا أنتظر العناية الآلهية لترفع عني هذه المصاعب)، مناشداً الدولة بان تقوم بمسؤولياتها في توفير العلاج المجان لمرضى الناسور البولى خاصة ان بعض النساء اصبن بامراض نفسية بسبب الاهمال والعزلة الاجتماعية.