المبادرات الشبابية: قبول اجتماعي وتضييق حكومي
– شبكة عاين – ٧ اكتوبر ٢٠١٥ –
عرف السودان العمل الطوعي منذ عهود قديمة، ولعل (النفير) واحدة من تجليات عبقرية هذا الشعب لا سيما في الريف السوداني حيث يتداعى الكبار والشباب والنساء في عمل النفير في الزراعة والحصاد وحتى بناء البيوت في شكلها البسيط، ورغم ان هذا العمل تراجع لظروف كثيرة اهمها الحروب وضنك المعيشة، الا ان السودانيين خاصة الشباب اعادوا الفكرة من جديد، ولكن بطريقة مختلفة في المدن والارياف بتقديم خدمات انسانية في المستشفيات ما يعرف بمبادرة (شارع الحوادث) والذي امتد من الخرطوم الى مدن اخرى مثل القضارف وعطبرة وغيرهما.
ولكن هناك عقبات تواجه هذا العمل الطوعي بعرقلة الحكومة الاتحادية والولائية بالتضييق على العاملين في هذا الحقل ومحاولة اجهاض هذه الجهود التي اوضحت فشل الحكومة في تقديم ابسط الخدمات للمواطنين الى جانب انهيار المؤسسات الخدمية لا سيما الصحة والتعليم، ومع ذلك يسعى النظام دائماً الى وضع المتاريس امام اي عمل طوعي يقوم بجهد المواطنين، حيث تعتقد الحكومة ان مثل هذه التحركات تقف من وراءها المعارضة.
والتحدي الذي اظهرته مبادرة شارع الحوادث الفاو ادى الى إعتقال كل من الناشط محمد الفاتح الصافي امام مستشفي مدينة الفاو بولاية القضارف يوم الثلاثاء السادس من اكتوبر الحالي، واخر يسمى محمد خالد.
الحكومة تنشر شائعات ضد شباب الحوداث انهم يعملون لصالح اسرائيل
قامت محلية الفاو في ولاية القضارف في السادس عشر من شهر اغسطس الماضي بايقاف جمع التبرعات وتجميد عمل مبادرة شارع الحوادث لحين اشعار اخر، وارسلت صور من البيان الي مدير شرطة محلية الفاو، ومدير وحدة جهاز الامن والمخابرات الوطني، ومدير مكتب المعتمد، فيما ناشدت مبادرة شارع الحوادث في القضارف جميع المنظمات للعمل على فك هذا الحظر على الشباب في مدينة الفاو. ويقول احد الناشطين في المبادرة لـ (عاين) ان مبادرتهم بدأت في يوليو الماضي وانها انجزت خلال الاسابيع الثلاث الكثير من جمع احتياجات المرضى وتوفير الادوية، نقل الدم، عمل وجبة الافطار يومياً للاطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وكذلك توفير وجبة عشاء للمرضى في المستشفيات في جميع العنابر ولمرافقيهم، وتحويل المرضى الى المستشفيات المتخصصة اذا استدعى الامر. ويضيف ان جهاز الامن استهدف اصحاب المبادرة ووضع عقبات بعدم صرف الوصفة الطبية من قبل ادارة الصيدلية داخل المستشفى.
واكد المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه ان مبادرة شباب الحوادث في مدينة الفاو تواجه بمضايقات خارج المستشفيات من قبل اجهزة الدولة والتجار عبر تحريض من يود التبرع بانه سيواجه بمشاكل اخرى الى جانب نشر شائعات بان الشباب الذين يعملون مع المبادرة بانهم عملاء لاسرائيل وان لديهم حسابات بنكية في الخارج، ويقول “لم يتوقف الامر عند ذلك ،بل الى المطاردات والرصد والمتابعة داخل المستشفيات وخارجها الى ان وصل الحد لايقافنا واتهامنا باننا نعمل لصالح جهة سياسية بسبب وجود بعض الناشطين السياسيين مع العلم ان عملنا خدمي فقط”.
أمر توقيف مبادرة شارع الحوادث – الفاو من العمل صادر من محلية الفاو
مبادرة شارع الحوادث في الخرطوم تتواصل مع (21) الف شخص
ويقول كمال معز عضو مكتب الاعلام في مبادرة شارع الحوادث لـ (عاين) ان المبادرة استفادت من مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت لتوفير العلاج وجمع التبرعات اللازمة، ويضيف ان المبادرة استطاعت التواصل مع اكثر من (21) الف شخص وقدمت لهم المساعدات، ويشير الى ان كل الاجراءات المالية والحسابية تتم عبر (فواتير) وهذا عمل طوعي له ضوابط وواجبات وحقوق، ويقول ان المستشفيات التي تغطيها تشمل (الخرطوم، احمد قاسم في بحري، محمد الامين في ام درمان، التركي في الكلاكلة وجعفر ابن عوف في الخرطوم).
ويؤكد معز ان مجموعته تساعد المبادرات الشبابية في ولايات البلاد المختلفة دون تدخل في عملها، ويقول ان مبادرة شارع الحوادث في الخرطوم مفتوحة للجميع دون تحيزات لاي جهة كانت، ويضف ان الشباب هم الاكثر فئة سكانية في السودان بحسب التعداد السكاني الاخير، لكنه ابدى انزعاجه من عزوف الشباب في دعم العمل الطوعي واصبحوا قلة في هذا المجال، ويقول ان استمرار عمل المبادرة رهين بانخراط الشباب فيه لا سيما مبادرة الحوادث مفتوحة للجميع ولا تتبع الى اي جهة او اي فرد.
الهروب من المسؤولية
ويشير المحلل الاقتصادي كمال كرار الي ان الدولة تخلت عن تقديم الخدمات للمواطنين واصبح الواقع مأسوياً، ويقول لـ(عاين) ان الصحة في البلاد تعاني من تدهور مستمر، بسبب تخلي الحكومة عن القيام بالتزامها تجاه المواطنين ونقص الخدمات الحاد في المستشفيات، ويضيف ان ذلك ادى الى زيادة الوفيات وسط الامهات والاطفال وهو ما دفع بعض الافراد للتصدي الى محاولة معالجة النقص في الادوية عبر مبادرات مثل مكافحة سرطان الثدي وشباب الحوادث.
وقد شهدت المستشفيات الحكومية تجفيفاً متعمداً في تقديم الخدمات الضرورية وجعل المواطن بتغطية نفقات علاجه، واوضح كرار ان هذه المبادرات وجدت ترحيبا من الجميع لما تقدم من خدمات ظاهرة للعيان، ويقول ان هناك عقبات تواجهها كالسلوك الرسمي للدولة والعقلية الامنية التي تدير السودان لانها تري ان مثل هذا العمل نوع من معارضة النظام نفسه، وتعرقل من قبل الاجهزة وتحد من دورها.
التهديد الحكومي يظهر وجوه جديدة
في ذات السياق يوضح ايمن عبدالغفار وهو من الناشطين في حقوق الانسان الفوائد التي تقوم بها مباردة شارع الحوادث الخرطوم منها مساعدة الفقراء، توفير حق العلاج لمن لا يستطيع ان يدفع، وشعار شارع الحوادث في الخرطوم كالتالي (اينما وجد طفل تتواجد مبادرة شارع الحوادث)، ويقول لـ(عاين) ان مبادرة شارع الحوادث الخرطوم توفر للمحتاجين من 10 جنيه الي مليون جنيه للمساهمة في اجراء العمليات الكبيرة، ويضيف “يجب الا تنسي الجوانب الانسانية الاخرى من الصدقات، ومبادرات (فض دولابك) والتبرع بالدم، هي تساعد في حل مشاكل تواجه المواطنين يوميا، ويقول عبد الغفار ان التهديد الحكومي كل يوم تظهر وجوه جديدة، ويشير الى ان الامن لن يستطيع الوقوف امام العمل الانساني الذي يحافظ على حياة المواطن، واضاف ان توجيه الاتهامات للعمل الانساني اصبحت (اسطوانة مشروخة)، ويقول ان المجتمع السوداني اصبح يدرك من يقدم له المساعدات ويخفف عنه آلامه.
وترى مي فيصل في حديثها لـ (عاين) ان مبادرة شارع الحوادث احدثت صدي كبير في الفترات الاخيرة، وانتشرت في معظم ولايات السودان لانها عكست جانب انساني، وتعتقد ان ما يقوم به شباب شارع الحوادث يعري الدولة ويظهر تقصيرها، واكدت ان مبادرة شارع الحوادث هي نتيجة اخفاق الدولة وتخاذلها عن تأدية واجبها تجاه المواطن السوداني، وتفسر المضايقات من قبل الحكومة انها تضعها في موضع النقد وتعريها امام الشعب، ونفت ان تكون المبادرة محصورة في الخرطوم، هي تمتد على اوسع نطاق، من مدني،القضارف، الفاو،الابيض وعطبرة.
ومع تضييق الحكومة على هذه المبادرات في العاصمة ومدن اخرى فان هناك مناطق اخرى مثل معسكرات النازحين في دارفور تحتاج الى مثل هذه المبادرات، غير ان الناشط مبارك قادم يقول لـ (عاين) ان الحكومة لن تسمح لمثل هذه المبادرات ان تذهب الى مناطق النازحين خاصة انها مناطق فيها قانون الطوارئ رغم ان هذه المعسكرات اكثر حوجة للمساعدة من المدن الكبرى الى جانب غياب المنظمات الدولية التي طردتها الحكومة قبل ست سنوات، ويضيف “حتى مدن مثل نيالا، الفاشر وغيرها من مدن اقليم دارفور استبعد ان تسمح الحكومة لمبادرة شبابا الحوادث بالعمل فيها “.