الصرف على الحرب … انهيار قطاع الصحة
– شبكة عاين – ٢٢ ابريل ٢٠١٦ –
“كنت اتمنى في مقابل ما انفقته من مال لطلبات الادوية وغيرها من الرسوم المتواترة التي تطلبها إدارة المستشفى أن أجد علاجا ناجعاً لازمة والدتي الصحية“، هكذا أبتدر عثمان عزالدين حديثه لـ (عاين) من داخل مستشفى ابراهيم مالك الحكومي وهو قدم من مدينة الأبيض لعلاج والدته، والذي يرى أن ما يصرفه من مال لمقابلة إحتياجات علاج والدته فوق طاقته على الرغم من أن المستشفى تابع للحكومة. وحال عثمان نفسه لمئات المرضى الذين يستشفون في المستشفى الحكومي الذى بدأ يستقبل حالات الباطنية بعد تجفيف قسمها في مستشفى الخرطوم مؤخراً.
تشريد الإطباء منذ انقلاب الحركة الاسلامية خلال ربع قرن
عندما انقلبت حكومة الانقاذ على الوضع الديمقراطي فى 30 يونيو 1989 أثّرت بشكل سريع وكارثي على الصحة فى السودان وذلك عبر إتجاهين سياسيّن يسودان حتى الآن. الإتجاه الأول كان الإقصاء لكل من ليس منتمياً للتنظيم أو يلف حوله، وقد تم فصل العديد من الاطباء، وقد تم في أول عام من الانقلاب التخلص من (42) طبيبا من مجموع (63) أخصائى صحة عامة.
ويرى نقيب الاطباء – النقابة الموازية التي يسيطر عليها موالين للحكومة – الدكتور احمد الشيخ، أن تدهور سياسات الحكومة سيدخل النظام الصحي في البلاد إلى نفق مظلم. وبالفعل نحن في أولى الخطوات نحو هذا التدهور، ويقول الشيخ “لقد نبهنا أكثر من مرة لهذه الاختلالات لكن لا شيء الحكومة تمضي في سياساتها التخبطية“. ويضيف ان الصحة في قاع أولويات الحكومة إلى جانب ضعف الميزانيات التي تصرف التي تتركز علة أعمال ديوانية لا علاقة لها بمعينات العمل الصحي وتدريب وتأهيل الأطباء. ويشير الشيخ إلى أن الحكومة جففت المستشفيات الرئيسة وفق ما أعلنته بنقل الخدمات إلى الأطراف وهذا قد احدث ضرراً بالعديد من رواسخ العمل الطبي في البلاد. ويتابع “المستشفيات المرجعية التي تصرف عليها الدولة بها آليات متوارثة ومعروفة في شان تاهيل الكادر الطبي وتدريبه“.
معاناة المواطنين في الخرطوم ودارفور
وشاهد مراسل (عاين) الذى تجول في مستشفى ابراهيم مالك ما آلت إليه وحدة الباطنية في مستشفى الخرطوم التعليمي بعد سياسات التجفيف الاخيرة. مظهر المبني الانيق الذى أدخلت عليه وزارة الصحة تعديلات من طلاء واضاءات. ويقول المراسل “إلا ذلك لم يكن كافياً لاستيعاب الاعداد الكبيرة من المرضى القادمين اليه حيث تفتقر المستشفى الكثير من المعينات والكوادر الطبية“. ويقول عاملون وكوادر صحية في المستشفى لـ (عاين) ان المظهر العام جيد ونظافة المكان جيدة، لكن تم إغلاق قسم البطانية في مستشفى الخرطوم لن يشفع المظهر. وهنالك حاجة ماسة لإضافة أقسام وعنابر إلى جانب الايفاء بمعينات العمل اليومية.
وفي إقليم دارفور وهو من الأقاليم التي تكتظ مدنها بكثافة سكانية عالية، لا سيما بعد اندلاع الحرب في العام 2003 حيث نزح الكثيرون من القرى إلى المدن، وهذا النزوح زاد من الضغط على الخدمات بشكل عام والصحية على وجه الخصوص. مثلاً في مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور التي تأسست في العام 2012 ويسكنها اكثر من مليون شخص، يقول مصدر طبي طلب عدم الكشف عن هويته للظروف الامنية في الاقليم، ان الأوضاع الصحية في المدينة أصبح غير مقبولاً وأن القصور اصبح شاملاً من نقص الأطباء الاختصاصيين ويوجد (3) اختصاصيين لامراض النساء والتولية واختصاصي جراحة عامة وآخر للعظام هناك (3) نواب اختصاصيين في النساء والتوليد والجراحة العامة والعظام ألى جانب (3) أطباء عموميين.
الأوضاع الصحية في معسكرات النازحين واللاجئين
في معسكر (بريجن) للاجئين في دولة تشاد تتعرض النساء لحالات إجهاض في فترات متفاوتة بسبب فقدان التوعية وغياب الادوية خلال فترة الحمل الأولى. ذات الامر ينطبق على المرضى في المعسكر، وشح الأدوية لفترات طويلة أدى إلى وفيات وتطور في الامراض منذ فترة. وتقول حواء بخيت رئيس إتحاد المرأة في المعسكر لـ(عاين) ان المرضى لا يجدون الأدوية في المركز الصحي الملحق بالمعسكر، والذين يأتون من خارج المعسكر يعانون أكثر لأنهم يأتون من أمكان بعيدة. وتشير بخيت إلى أن أكثر المتضررين من تدهور الوضع الصحي هن الحوامل، وتقول ان هنالك إرتفاع في نسبة الإجهاض وحالات وفيات وسط النساء إثناء الولادة.
أما في معسكر (قريضة) للنازحين في ولاية جنوب دارفور، ويصل عددهم أكثر من (300) ألف نازح، فانه يعاني من تدهور مريع في الأوضاع الصحية. ويستقبل المعسكر أعداد كبيرة من النازحين الجدد بسبب إستمرار الحرب في الإقليم. ويقول مصدر طبي من معسكر قريضة للنازحين فضل حجب اسمه لـ(عاين) ان هنالك مشكلات تواجه النازحين منها عدم وجود طبيب عمومي، والامراض المستوطنة والوبائيات كالملاريا التي أصبحت متزايدة لعدم وجود مكافحة للباعوض الناقل مرض الملاريا.
وزارة الصحة والعجز في تقديم خدماتها وفقر ميزانيتها
ويقول مدير مستشفى إبراهيم الذي قدم استقالته بعد ثلاثة أشهر من إستلامه مهام عمله، الدكتور خالد حسن بخيت، ان وزارة الصحة لم تف باستحقاقات المتعاقدين الشهرية وعجزها عن توفير المواد المستهلكة في المعامل وبنك الدم. ويضيف حسن ان وزارة الصحة الاتحادية تجأر بالشكوى من ضعف الميزانية المخصصة للقطاع الصحي في البلاد بسبب تدني الصرف الحكومي على الصحة. تقول الوزارة ان المستشفيات الولائية اصبحت خالية من الاطباء والكوادر والاجهزة الطبية، وان الحكومة أجازت ميزانية العام الحالي بمقدار صرف يقدر بـ(1.1%) على الصحة وهو الاقل في ميزان المصروفات مقارنة مع القطاع الامني الاعلى صرفا (70%) بينما القطاع الزراعي يبلغ (3.1 %) والصناعة (0.6%) والنفط والمعادن والكهرباء (2.5%).
وقال وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة ان السودان واجه العديد من التحديات في عملية شراء الأدوية والسلع الطبية الأخرى للقطاع العام، وأشار إلى أن التعاون مع برنامج الأمم المتحدة يساهم كثيراً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويقول الدكتور مأمون علي صالح لـ (عاين) ان الأزمة في الواقع الصحي يمثل من مظاهر الازمة العامة في البلاد. ويضيف صالح “أننا على شفير كارثة صحية محدقة بسبب رفع السلطة يدها تماماً عن تقديم ما يمكن من خدمة صحية انسانية فنصيب الصحة من الميزانية الحالية تبلغ (571) مليون جنيه فقط بينما نصيب الأمن والدفاع والشرطة (16) مليار، أي (32) مرة ضعف الصحة“. ويضيف أن إقتصاد الحرب الممتدة في العديد من مناطق البلاد تمتص ما يمكن تقديمه إلى خدمات الصحة.
ويقول صالح ان الأرقام الرسمية تكشف عن أن المواطن يدفع من “جيبه” داخل مرافق القطاع العام الصحي ما يوازي (64%) من قيمة الخدمة الصحية المقدمة له فيما تدفع الصناديق الدولية (16%) والدولة تقدم (20%). ويقول ان هناك ظلم بائن على مقدمي الخدمة الصحية من أطباء، كوادر صحية وعاملات وعمال فيما يخص الأجور وبيئة العمل والتدريب والذي يفرز يوميا احتجاجات مطلبية آخرها إضراب أطباء ولاية الجزيرة.
الإعتداءات على الاطباء من مدنيين والشرطة
الاعتداءات على الأطباء من قبل المدنيين والنظاميين شجعت على هجرة العديد من الأطباء والكوادر الصحية إلى خارج البلاد. فقد كشف دكتور معز فى ندوة بعنوان “الاعتداءات على الأطباء” عن أنه في الأسبوع الواحد يهاجر طبيبان على الأقل من منسوبي مستشفى النو الذي يتولى إدارته مؤقتاً.
وشكا اطباء دارفور من تدهور الوضع الامني والابتزاز الذي ظلوا يتعرضون له من قوات الامن، خاصة عند نقل مصابين من مناطق العمليات الى المستشفيات. وإتهموا الأطباء قوات الدعم السريع بتعطيل سير العملية العلاجية لكافة المرضى حال ويقول أحد الأطباء “جنود الدعم السريع يعتقدون أن مرضاهم أهم من المواطن المريض، لذلك فانهم يطالبون بإيقاف أي إجراءات حتى لو كانت طارئة وفي حالة الرفض يتم الإعتداء على الأطباء“، ويشير إلى أن الاطباء سبق وأن دخلوا في إضراب لهذا السبب.