السودان ومجلس حقوق الإنسان ..إنتهاكات مستمرة وقرارات مرنة

السودان ومجلس حقوق الإنسان ..إنتهاكات مستمرة وقرارات مرنة تقرير: عاين

٣اكتوبر٢٠١٣

لم يكن قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بتمديد ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان لعام آخر، مفاجئاً لخبراء ونشطاء حقوق الإنسان في السودان غير أنه كان محبطاً لاخرين، كونه يعطي الحكومة السودانية الضوء الأخضر في ممارسة مزيد من الأنتهاكات غير آبهة لقرار المجلس وتمديد ولاية الخبير المستقل،حيث مدد المجلس خلال أعمال الدورة (27) ولاية الخبير المستقل تحت البند العاشر، المتعلق بتقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات لتحسين حالة حقوق الإنسان في السودان، مع منحه صلاحيات واسعة تضمنت (التقييم)، و(التحقُق)، و(كتابة التقارير) عن أوضاع حقوق الأنسان في السودان بهدف تقديم توصيات بشأن المساعدة التقنية”.

وقرر المجلس تعيين د. توماس ادورد الأيرلندي الجنسية، الخبير المتخصص في الشأن السوداني، لمنصب الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان خلفاً لمشهود بدرين، الذي تقدم بإستقالته للمجلس لأسباب خاصة ، غير أن الحكومة رفضت تعيين الخبير الجديد وطالبت بإستبداله ، أياً كان الأمر في رفض الحكومة أو قبولها بالمقرر، فأن القرار يكمن في تعيين خبير تحت البند العاشر وبصلاحيات واسعة.

بينما إعتبر البعض أن المجلس حاول أن يوافق بين البندين العاشر الخاص بتقديم العون الفني والرابع الخاص بالمراقبة، والملاحظ من قبل الناشطات والناشطين أن قرارات مجلس حقوق الإنسان لاتتطابق مع حالة حقوق الإنسان في السودان، فبينما تتنزل عليه قرارات خفيفة تزيد الحكومة من حجم العنف والإنتهاكات ولم تعد تأبه بعمل منظمات المجتمع المدني الحقوقية، طالما ضمنت ولاء مجموعات الدول العربية والأفريقية وأمريكا التينية وأوربا الشرقية ، بإخراجها من مصيدة الرقابة وبدأت تنشئ منظمات حكومية غير حكومية موازية للمنظمات غير الحكومية، لعكس صورة مشرفة لأوضاع حقوق الإنسان في السودان.hh

وفي هذا السياق تقول المدير التنفيذي لشبكة حقوق الإنسان والعون القانوني الطاهرة حماد لشبكة (عاين ) أن قرارات المجلس لم تكن مفاجئة، وأرجعت ذلك إلى أن الخبير قدم تقرير مجافي للحقيقة والواقع، حيث “يشير إلى تقديم حكومة السودان تقرير منتصف المدة بشأن تنفيذ التوصيات المقبولة في الاستعراض الدوري الشامل، وإلى التعاون بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تنفيذ التوصيات المقبولة في الاستعراض الدوري الشامل وإلى ضرورة مواصلة هذا التعاون”،وتشير إلى أن هذه النقطة بالأخص لم يكن هناك أي تطبيق علي مستوي الواقع من هذه التوصيات.

وتقول حمّاد أن تجديد المجلس لولاية الخبير المستقل تحت البند العاشر لايتناسب مع حالة السودان، مشيرة إلى أن الإنتهاكات في تصاعد مستمر بينما قرارات المجلس مرنة وهذا القرار يعطي الحكومة الضوء الأخضر لممارسة مزيد من الانتهاكات، وظاهرة للعيان بحملة الإعتقالات التعسفية التي تشنها من حين لآخر بمناسبة ومن دون مناسبة، إضافة إلى إغلاق مقار منظمات المجتمع المدني وإيقاف أنشطتها ، وتتساءل ” فكيف يأتي الخبير ويقول  هناك تعاون بين الحكومة و المنظمات؟ ” .

وتشير الناشطة الحقوقية على أن الإنتهاكات التي تمارسها الحكومة دفعت رئيس المفوضية القومية لحقوق الأانسان آمال التني إلى تقديم أستقالتها لعدم ممارستها للعمل من خلال مفهوم حقوقي، وقبلها تقدم أعضاء من المفوضية بإستقالاتهم لذات الأسباب ، وتؤكد على أن قرار إعادة السودان للبند العاشر لم يرضي طموح النشطاء والناشطات في مجال حقوق الأنسان ومنظمات المجتمع المدني، وتضيف ” بل زاد الطين بلة وهذا القرار سيجعل الحكومة أكثر عنفوانية، خاصة وأن تقرير الخبير يعطي قوة للحكومة في أن تواصل في إنتهاكاتها وقمعها للنظمات والنشطاء والنشيطات.

غير أن الخبير في حقوق الأنسان دكتور الباقر العفيف رئيس مركز الخاتم عدلان للإستنارة وصف لشبكة (عاين ) قرارالمجلس بالمتوازن، بناء على تقرير الخبير المستقل السابق مسعود بدرين، ونظراً لواقع الحال الذي تمر به منظمات المجتمع المدني، والمناخ العام في السودان من إعتقالات للنشطاء وملاحقتهم وإغلاق مقار منظمات المجتمع المدني، إضافة لعدم إستعدادها وقدرتها في المشاركة في إجتماعات الدورة (27) لأجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف، مشيراً إلى أن المجتمع المدني غاب تماماً أو تم تغييبه بواسطة الحكومة ولم يتمكن من تقديم التقرير الموازي أو ما يعرف بـ”تقرير الظل أو البديل”، محملاً الحكومة السبب في منع المنظمات من إقامة أنشطتها ، وتحديداً عملية أعداد التقرير البديل أحد أهم تلك الأنشطة لذلك تشعر بأنها نجحت في تلك الخطوة، رغم أنها ـ كما يضيف الباقر ـ شاركت بوفد يضم أكثر من (50) شخص من مايعرف بالمنظمات الحكومية غير الحكومية ، وأستطاعوا أن يستغلوا الساحة الخالية لغياب المجتمع المدني المستقل بالقيام بعمل تكتلات مع المجموعة الأفريقية والعربية.

وفي رأي الخبير الحقوقي العفيف أنه ومع كل ذلك كان في المقابل تقارير مقدمة من هيومان رايتس ووتش، ومنظمة أنباء النوبة وموقع (عاين ) الألكتروني الذي قدم صور موثقة بالفيديو، تعكس حجم الإنتهاكات التي ترتكبها الحكومة في مناطق النزاعات المسلحة في كل من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، ويرى العفيف أن تقرير الخبير نفسه حمل إدانات للحكومة رغم كلمات الشكر وبعض الإشارات عن تعاون الحكومة والكلمات التقليدية من شكر وخلافه، ويتابع ” إلا أن تقريره أثر في صدور ذلك القرار بتعين خبير بصلاحيات واسعة ” .

وعلى ذات السياق يقول الصحفي الحقوقي ومقرر شبكة صحفيون لحقوق الإنسان “جهر” فيصل الباقر لشبكة ( عاين ) أن القرار كان متوقعاً بتمديد ولاية الخبير المستقل تحت البند العاشر ومنحه صلاحيات واسعة، ولم يكن مفاجئاً بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان ويقول أن المجلس أراد أن يوافق بين البندين الرابع والعاشر، للوصول لهذه التسوية والتي تفرضها موازين القوى، أوكما يقول عنها ” موازين الضعف ” ، أى ضعف الإرادة الدوليّة فى الإنتصار للمبادىء المتعلّقة بإحترام وتعزيز حقوق الإنسان، ويضيف ” لتسوية التى أعنيها التي تمت بإعادة إخضاع السودان  للبند العاشر مع وضع بعض سمات البند الرابع  أى منح  الخبير المُستقل ، صلاحيات أعلى وأشمل فى المراقبة “، لكن الباقر يرى أن هذا السيناريو في حد ذاته يُشكّل هزيمة للحكومة التى لا تُريد أن يُفرض عليها أىّ نوع من الرقابة الأُمميّة، وفى ذات الوقت يعد إنتصاراً نسبياً ومرحلياً لمطالب حركة حقوق الإنسان السودانية، ويشير الى أنّ البند الرابع كان هوالوضع السليم والمُستحق لوضع السودان فى هذه المرحلة ، حيث ولاية ورقابة المقرّر الخاص ، بينما تُريد الخرطوم الإستئثار بمزايا العون الفنّى والإكتفاء بمجرّد تقديم الوعود المجّانيّة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان فى البلاد.

ويؤكد الباقر على أن الأهم الآن في كل ذلك هو إحداث تحسُّن حقيقى فى أوضاع حقوق الإنسان فى السودان ، وهذا لن يتأتّى طالما البلاد ترزح تحت نير الإنتهاكات الممنهجة والمُستمرّة التى تُمارسها الحكومة السودانيّة وأجهزة أمنها وفى مقدّمة هذه الإنتهاكات الحصانات التى يستفيد منها جهاز الأمن مقرونة مع الإفلات من العقوبة ومُصادرة الحُريّات بما فى ذلك حريّة التعبير والتنظيم والصحافة.

ويشير الباقر الناشط في مجال حقوق الإنسان إلى أن هنالك إنتهاكات فظيعة مازالت ترتكب فى حق المدنين في مناطق النزاعات المُسلّحة فى أقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ، وجميعها إنتهاكات موثّقة  ومعروف مرتكبيها وقد تأكّد عجز الحكومة السودانيّة وعدم رغبتها فى تحقيق المُساءلة والإنصاف فى هذه الجرائم ، ومنها ما يصنّف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة ، وهذا يتطلّب أن يتعامل العالم مع ملف حقوق الإنسان بطريقة تحقّق رغبة الشعب فى إحترام وتعزيز حقوق الإنسان في السودان.

لذلك يؤكّد الباقر أنّ البند الرابع كان هو الوضع السليم والمُستحق لوضع السودان فى هذه المرحلة ، حيث ولاية و رقابة المقرّر الخاص ، بينما، تُريد الخرطوم الإستئثار بمزايا العون الفنّى والإكتفاء بمجرّد تقديم الوعود المجّانيّة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان فى البلاد.