السودان: الخلاف يتسع حول تبني الحكومة لسياسات التحرير الاقتصادي
28 سبتمبر 2020
عكس المؤتمر الإقتصادي القومي الأول للحكومة الانتقاية في السودان والذي انهى اعماله اليوم الاثنين، عمق الخلافات بين الجهاز التنفيذي وحاضنته السياسية في قضايا جوهرية، ففي الوقت الذي تأمل الحكومة في ان تفضي توصيات المؤتمر الى الموافقة على تحرير سعر الصرف وزيادة اسعار المحروقات ورفع الدولار الجمركي، ترفض قوى الحرية والتغيير- التحالف الحاكم- تلك السياسات جملة وتفصيلا.
مشاهد:
شهدت مداولات المؤتمر التي استمرت على مدى ثلاثة ايام مشادات ساخنة وحالة من الفوضي وهتافات مناوئة للحكومة ونبرات غاضبة واتهامات للوزراء، بجانب ذلك كان الزخم الثوري حاضرا خلال مداخلات لجان المقاومة، والاهازيج والهتافات الثورية.
عضو تنسيقية لجان المقاومة يوسف مصطفى، اخرج هواءً ساخناً ووجه سهامه لكل من الحكومة والحاضنة السياسية ولجان المقاومة نفسها وحركات الكفاح المسلح كما انتقد الوثيقة الدستورية والمكون العسكري، وطالب بتقديم إعتذار شفاف لكل الشعب السوداني الذي لايزال رغم التغيير يعاني من غلاء المعيشة وعدم الامن، وشدد على ضرورة مراجعة شركات الجيش وإعادة 82% من موارد البلاد المنهوبة الى خزينة الدولة.
وجدد مصطفى، رفض لجان المقاومة القاطع لرفع الدعم عن المحروقات وحمل مسئولية التهريب للإجهزة الامنية والشرطية، وقال: ان “عحزت تلك المؤسسات من القيام بمسئولياتها فلتذهب وليأتي غيرها”.
فيما اشار عضو تنسيقية لجان مقاومة كرري محمد عبدالحليم، إلى ان الحديث عن تطبيق سياسة رفع الدعم يتطلب الكشف عن البيانات الحقيقية التي تنفقها الحكومة للدعم، وخطتها البديلة في حالة الاقدام على رفع الدعم وتوضيح نسبة الخطر بالتأثير المباشر على هشاشة الوضع الاقتصادى للبلد، وقال: “للدولة واجب إجتماعي يجب ان تقوم به و هى توفير الخدمات الأسياسية لكل مواطن”.
واقترح عبد الحليم، تبديل سياسة رفع الدعم بإعادة توجيه الدعم فى النقاط الحيوية وإعادة ترتيب الأولويات، والدخول فى الصناعات التحويلية، والإستعانة بالمنصات العلمية المفتوحة فى إستيراد التكنولوجيا للتصنيع و الإنتاج، وأن يعود صادر الذهب عبر بنك السودان وليس عبر المحفظة الاستثمارية للمحافظة على القيمة الفعلية للعملة، وتصدير كامل السلع الإستراتيجية مثل الصمغ العربى و الجلود و المعادن و الحبوب الزيتية عبر البنك المركزى وأن تؤول اموال منظومة الدفاعات الصناعية وإستثمارات الشرطة لوزارة المالية.
وانعقد المؤتمر تحت شعار نحو الاصلاح الشامل والتنمية الاقتصادية المستدامة استمر لمدة ثلاثة ايام ،26-27-28 سبتمبر ، عبر جلسات صباحية ومسائية قدمت خلالها العديد من أوراق العمل حول الإطار العام للدولة التنموية والديمقراطية ، السياسات الاقتصادية والتركيز على الإنتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل
كما استعرض مرتكزات وأهداف السياسة المالية خلال الفترة الانتقالية والتخطيط التنموي و أثرىيت جلسات المؤتمر بنقاش مستفيض حول اهمية تقليص الفجوة بين الايرادات والنفقات العامة
احتدام الخلاف:
الثلاثة أيام الماضية لم تفلح في تقريب وجهات النظر بين الحكومة وائتلافها السياسي حول مجمل السياسات الاقتصادية فقا لآراء عدد من المتابعين لوقائع المؤتمر، وقال الخبير الإقتصادي محمد النايرلـ(عاين)، “تنظيم المؤتمر لم يكن بالشكل الجيد وادارة الجلسات تم بصورة سالبة كما ان الدعوات لم تشمل جميع خبراء واساتذة الجامعات داخل وخارج البلاد”.
وأكد الناير، ان لخلافات لاتزال بين الحاضنة السياسية والجهاز التنفيذي للدولة المتمثل في مجلس الوزراء، قائمة رغم ان اليوم هو الختامي للمؤتمر، حول سياسات جوهرية عن تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات والخبز.
واشار الخبير الاقتصادي، إلى ان المؤتمر سبقته 18 ورشة قطاعية كانت كفيلة بتقديم توصيات يجتمع حولها الخبراء واساتذة الجامعات بالداخل والخارج للخروج برؤية متكاملة لمعالجة المشكلة الإقتصادية واضاف: لكن ذلك لم يحدث .
واوضح الناير، بان التباين في هذه الخلافات كان قبل المؤتمر واذا لم يستطيع الاخير ان يحدث توافق حول السياسات فما هو الداعي اساسا لقيامه؟ اما اذا استطاع توحيد الحاضنة والحكومة حول السياسات الاقتصادية في الفترة القادمة يكون بمثابة خطوة كبيرة.
وتابع محمد قائلا، “لكن وفقا لمؤشرات ومتابعات اليوم الثالث لم تتوحد الرؤي”، واعتبر ان التوصيات ليس فيها صفة الالزام بصورة قاطعة ولكن الاتفاق حولها يجعل منها خارطة طريق يجب ان يضعها الجهاز التنفيذي امامه ويعمل عليها، وبالتالي تصبح سياسات ملزمة لاجهزة الدولة، المؤتمر. ورأى ان الحكومة تسعى عبر المؤتمر لإقرار تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم وزيادة الدولار الجمركي والحاضنة لا تريد كل ذلك.
واردف: “اذن لازالت الشقة بعيدة واوجه الخلاف موجودة”، وأشار إلى أنه حتى لو استطاعت الحكومة تمرير هذه الاجندة فلن تكن قابلة للتطبيق باعتبار ان الآثار السالبة الناتحة عن تنفيذها تعد كارثية على الإقتصاد السوداني.
توصيات ملزمة:
الائتلاف الحاكم حمّل وزارة المالية مسئولية ما يجري، وقال عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير كمال كرار، في مقابلة مع (عاين)، ان المؤتمر انعقد في ظروف أزمة اقتصادية كبيرة، وأشار إلى أن هذه الازمة نشبت من السياسات المالية والنقدية التي وضعتها ميزانية 2020م التي تتحمل مسئولياتها في المقام الاول وزارة المالية. وزاد الأخيرة ضربت أرض الحائط بالعديد من المقترحات والبرامج التي قدمها التحالف من قبل إجازة ميزانية ديسمبر الماضي.
واكد كرار، ان قيام المؤتمر كان لمعالجة تلك التباينات ووضع سياسة اقتصادية وطنية متفق عليها بين الجميع تحكم برنامج الحكومة طيلة الفترة الانتقالية، بجانب ان يكون المؤتمر منبر صراع افكار ورؤى وسياسات مختلفة.
وقال “الحرية والتغيير شاركت في كل الورش القطاعية وقدمت توصيات محددة واثناء انعقاد المؤتمر تم طرح هذه البدائل للرأي العام كمسار جديد للخروج من الازمة الراهنة خلاف اطروحات البنك والصندوق الدولي”. واضاف كرار : في رأينا ان مراقبة الاداء وشروط صندوق الدولي برفع الدعم وتعويم الجنيه اوصل الاقتصاد السوداني الى الهاوية”. واعتبر المضي في هذا الطريق سيتضرر منه المواطن السوداني ويدحض آمال وطموحات الجماهير التي صنعت الثورة، واشار الى ان الائتلاف قدم مقترحات سليمة مبنية على التجارب السودانية والفكر الإقتصادي الوطني وإعلان الحرية والتغيير وطرح بدائل مقنعة وواقعية للحكومة ووزارة المالية.
واشار عضو اللجنة الاقتصادية بالتحالف الحاكم، الى أن الرأي العام المشارك في المؤتمر مساند لتلك الاطروحات التي تعتبر ان أزمة الحل داخليا وتتمثل في الانتاج وإن تضع وزارة المالية يدها على الشركات الأمنية والعسكرية وصادر الذهب والصادرات الزراعية والحيوانية لتوفير الموارد وتغطية الاستهلاك الضروري للمواطن لتحسين حياة الناس المعيشة.
الى جانب تفعيل التعاونيات والرقابة على الأسواق والسلع. وأضاف: “قدمنا اطروحات بالارقام والاسانيد الاقتصادية”. واردف، “حال تبني المؤتمر هذه التوصيات سنعبر بالاقتصاد السوداني الى بر الامان”. واكد كرار، الزامية مخرحات المؤتمر للحكومة مثلها مثل الوثيقة الدستورية ولا مجال للالتفاف عليها. واشار الى ان قوى الحرية ستملك توصيات المؤتمر للشعب السوداني .
ختام وتوصيات:
رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، اكد متابعة الحكومة لتنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي عبر آلية لمتابعة المخرجات، وقال خلال مخاطبته الجلسة الختامية مساء اليوم الاثنين، “المؤتمر اتاح فرصة لمناقشة قضايا مهمة ذات طابع طويل الأجل”. لكنه عاد واكد على وجود قضايا آنية تحتاج الأسراع في وضع الحلول منها المشاكل التي تخص معاش المواطن. ووصف انعقاد المؤتمر الاقتصادي بالتمرين على الديمقراطية وإدارة الخلافات لمصلحة الوطن.
فيما جاءت اولى توصيات المؤتمر التي تلاها مستشار رئيس الوزراء الاقتصادي آدم حريكة، بضرورة ترشيد الدعم عن المحروقات بجانب تخفيض استيراد السلع المالية وتوجيه موارد النقد الأجنبي للقطاعات الانتاجية مع العمل على ضبط مصادر التنوع النقدي والتحكم في معدلات عرض النقود.
كما اكدت التوصيات على ولاية وزارة المالية على المال العام ودور الدولة والقطاع الخاص بجانب مكافحة الفقر والعودة الطوعية للنازحين وادماجهم، وضرورة اتخاذ قرارات اقتصادية عاجلة، وشدد على اهمية الزراعة والثروة الحيوانية.
وشملت التوصيات قيام مفوضية للفساد واصلاح القوانين المكبلة، ووضع استراتجية للبيئة ومكافحة التصحر و مراجعة حيازة الاراضي، واكدت على استقلالية بنك السودان المركزي، احكام الرقابة على السجل التجاري. وتوظيف الشباب في مواقع ومشاريع التنمية
فضلا عن توصيات عامة باعتماد مخرجات الورش القطاعية والصرامة في تنفيذها والعمل على رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب و تاكيد على ضرورة احلال السودان وعدم النزاع، وقال حريكة : “اللجنة المنظمة ستقوم بتنقيح التوصيات ووضعها في كتيب تمهيدا لتنفيذها”.