السلاح الكيميائي: جريمة حرب أخرى في دارفور
– شبكة عاين – ١ نوفمبر ٢٠١٦ –
ظلت الحكومة السودانية تكرر نفيها لاستخدام السلاح الكيميائي في دارفور، رداً على تقرير منظمة العفو الدولية الذي نشرته مؤخراً. وقد وصف الرئيس السوداني عمر البشير تقرير العفو الدولية بالكذب، فيما قال وزير خارجيته إبراهيم غندور. ولم يستبعد الدكتور حامد علي في حديثه لـ(عاين) استخدام الحكومة السودانية لأي نوع من الأسلحة المحرمة دولياً لأسباب عديدة، من بينها أن القوات الحكومية التي تحارب الآن في مناطق النزاع بما فيها دارفور قوامها مليشيات تعمل بحساب “المقطوعية“. ويرى حامد أن هذه الميليشيات غير مؤهلة مهنياً ولا اخلاقياً لأي عمل عسكري، ويضيف “ثانياً الحكومة السودانية لديها القدرة على إنتاج الأسلحة المحرمة دولياً بالضرورة الكيميائية في بعض مصانع الانتاج الحربي التي تملكها وقد أسستها لدعم بعض الحركات الإسلامية المتطرفة في العالم“. ويتابع حامد “وهي ذات الحكومة التي تسعى لعكس واقع مغاير عما يجري على الأرض للادعاء بأن السودان خالي من الحروب والأزمات وفي سبيل ذلك قد تفعل كل شيء طالما أن الرقابة غير متوفرة“، مشيراً إلى أن الحكومة قامت بطرد كل المنظمات الدولية العاملة في الإقليم باستثناء البعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور(اليوناميد)، ويعتقد أن البعثة تواجه مخاطر الإبعاد بعد ظهور هذه الجريمة على السطح.
وتصدى جهاز الأمن والمخابرات السوداني قبل وزارة الخارجية أو أي القوات المسلحة المتهم الرئيس أثار استغراب المراقبين. وقد اعتبر جهاز الأمن الاتهامات التي قدمتها منظمة العفو الدولية في تقريرها الذي نشرته الشهر الماضي، حول استخدام القوات السودانية أسلحة كيميائية في جبل مرة في دارفور، بأنها ملفقة وفيها فبركة. وأوضح اللواء إبراهيم منصور مدير العمليات في جهاز الأمن في تنوير لقادة العمل الصحفي والإعلامي في الخرطوم أن الشهادات التي اعتمدت عليها المنظمة شفاهية وسماعية وتمت عبر الهاتف وجزء من الشهود هم عناصر تنتمي إلى حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور. وكانت المملكة المتحدة قد حثت الخرطوم بالسماح للأمم المتحدة من الوصول إلى تلك المنطقة للتحقق حول هذه المزاعم.
وكانت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) قد كشفت في تقرير لها في أغسطس الماضي عن تنفيذ (30) هجوماً على (29) قرية ضمن حملة عسكرية واسعة النطاق ضد المتمردين في منطقة جبل مرة في دارفور بين يناير وسبتمبر الماضي، ولقي ما بين (200 – 250) شخصاً حتفهم جراء ما يشتبه باستخدام القوات الحكومية للأسلحة الكيميائية بالقصف العشوائي على المدنيين والقتل غير المشروع على الرجال والنساء واختطاف واغتصاب النساء في جبل مرة.
خريطة توضح أماكن الإعتدائات على المواطنين
تشكيك حكومي حول تقرير منظمة العفو الدولية
وقال مدير إدارة العمليات في جهاز الأمن والمخابرات السوداني اللواء إبراهيم منصور إن تقرير منظمة العفو الدولية استند على شهادات سماعية مزعومة لشهود يفتقرون لأبسط المقومات والمعايير التي يجب أن تنطبق على الشهود من الناحية القانونية. وأضاف منصور “التقرير زعم في أحد فقراته إلى شهادة اثنين من الخبراء إنهما قد أثبتا إستخدام الأسلحة الكيميائية… لا يمكن أن يثبتا ذلك لأنهما لم يتواجدا في مكان الحدث“، واوضح عن إجراء حكومته مسحاً على المناطق التي أشار إليها التقرير ولم تسجل بلاغات في المستشفيات والمراكز الصحية عن وجود حالات تسمم أو تشوهات في حالات حديثي الولادة، مشككاً في صور وخرائط التقطتها المنظمة عبر الأقمار الصناعية، وقال أن هناك معالجات فنية تمت على الصور.
وأشار منصور إلى أن تقرير المنظمة استند على شهادات لعناصر تنتمي إلى حركة تحرير السودان المتمردة بقيادة عبد الواحد محمد نور، وقال “هذه حركة ما زالت تقاتل وترفض السلام وهي موجودة في مناطق صغيرة في جبل مرة“. وأوضح منصور أن الشهادات التي قدمتها هذه العناصر إلى منظمة العفو الدولية تحكمها روح العداء تجاه الحكومة، وقال “لا يمكن أن تتصف هذه الشهادات بالموضوعية والمصداقية ولذلك هي مشكوك فيها“. هذا وقد أعلنت الحكومة السودانية مقاضاة منظمة العفو الدولية مشككة في مصداقية التحقيق الذي أجرته المنظمة وحذر رئيس البرلمان السوداني من الصمت على ما أسماه إدعاءات العفو الدولية.
فيديو من منظمة العفو الدولية يلخص تقرير الأسلحة الكيميائية
بريطانيا وأطراف دولية تطالب بتحقيق محايد
وكانت السفارة البريطانية في الخرطوم قد قالت في بيان لها أن وزير الشؤون الأفريقية في الحكومة البريطانية (توباياس إلوود) قد أعرب خلال لقاء مع وكيل الخارجية السودانية عبد الغني النعيم في لندن الأسبوع الماضي عن قلقه العميق إزاء الوضع في جبل مرة. كما دعا إلوود الحكومة السودانية السماح للأمم المتحدة من الوصول إلى تلك المناطق ورصد الأحداث والتحقق من ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية.
وشدد وزير الخارجية إبراهيم غندور على أن السودان عضو ملتزم بحكم أنه دولة طرف في المعاهدة الدولية لحظر إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية منذ عام 1998، وعدها من الأكاذيب اعتمدت عليها الولايات المتحدة. من جانبها دعت كل فرنسا وبريطانيا إلى إجراء تحقيقات من جهات اختصاص محايدة، وقال نائب الأمين العام لإدارة عمليات حفظ السلام (هيرفيه لادسو) أنه سيبحث مع السودان مواصلة التعاون الكامل.
ورسم الخبير الأمريكي (اريك ريفز) صورة قاتمة للتواطؤ الدولي مع الخرطوم، وقال “من الصعوبة بمكان تجنب الاستنتاج بأن المجتمع الدولي، وببساطة لن يحقق في مزاعم هجمات الأسلحة الكيميائية في السودان، على الرغم من شدة تركيزه على التحقق من استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب في سوريا“. وأضاف ريفز “ربما نتساءل عما سيكون عليه رد فعل جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إزاء الأدلة الدامغة على استخدام الخرطوم للأسلحة الكيميائية“.
شكوك حول قدرة السودان على إنتاج الأسلحة المحرمة دولياً
ويقول إريك ريفز إن إستخدام الأسلحة الكيميائية هو المثال الأكبر على شعور الخرطوم وحصانتها من العقاب، ويضيف “وهي حصانة صارت تعتمد عليها في حملاتها العسكرية الوحشية، في تنظيم انتهاكاتها الواسعة لحقوق الانسان، بطيفها الواسع من التدابير القمعية، وفي دعم الإسلاميين الراديكاليين على سبيل المثال الفجري الليبي في ليبيا“. ويرى ريفز أن أوروبا لديها اهتماما بوقف تدفق اللاجئين من افريقيا الى اوروبا.
وقدم أستاذ اقتصاديات الحرب بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بروف حامد علي، تحليلاً استند على التدهور الذي ضرب جذور القوات المسلحة بسبب الضائقة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وإنعكاس ذلك على عملية تأهيل الجيش وبناء قوة عسكرية كالتي عرف بها السودان في الماضي القريب.
خروج اليوناميد كارثة في الطريق
ولم يستبعد الباحث في منظمة العفو الدولية أحمد الزبير خروج بعثة (اليوناميد) من السودان، حيث تتحجج الحكومة بأن الأوضاع مستقرة على الأرض وأنها حسمت الحركات المسلحة. ويقول الزبير لـ(عاين) ان مهمة اليوناميد الرئيسية هي حماية المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية، وحل النزاعات القبلية، ثم القتل خارج إطار القانون. ويضيف الزبير “كل هذه المهام لم يتم تنفيذها على الوجه الأكمل وما تردده الحكومة عن استقرار الأوضاع في دارفور مجرد دعاية سياسية … لأن خروج البعثة سيخلف كوارث كبيرة في الإقليم“.
ويرى الزبير أن كثيرين تفاجأوا بتقرير منظمة العفو الدولية الذي جاء في (42) صفحة لانه رصد بدقة الانتهاكات البشعة في جبل مرة وأن هناك خطوات سيتم اتخاذها في وقت قريب. وكشف الزبير عن لقاءات ستعقد مع عدد من الجهات الدولية منها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الحكومة البريطانية، الحكومة الألمانية، المحكمة الجنائية الدولية، الاتحاد الأوروبي والحكومة الفرنسية. واستبعد الزبير مساندة روسيا للسودان في مجلس الامن، اذا قرر اتخاذ موقف حاسم، نسبة لمواقف السودان الرمادية في سوريا، مشيرا الى ان اليوناميد ساهمت بجزء من التقارير، الا انها لاتستطيع الوصول الى مناطق جبل مرة المنكوبة، والحكومة نفسها لا تسمح لهم بحرية التحرك.
مصداقية تقرير العفو الدولية
ويعتقد منسق معسكرات قريضة وعضو هيئة النازحين واللاجئين محمد موسى داؤود أن تقرير منظمة العفو الدولية صحيح مئة بالمئة، وأن هناك مطالب بالتدخل السريع والتحقيق العاجل. ويقول داؤود لـ(عاين) إن مواطني دارفور لديهم أمل كبير فى الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي للتدخل وفرض الحماية على المدنيين، ويشير إلى منظمة العفو الدولية هي منظمة مستقلة ولديها مصداقية. ومضى في ذات الإطار المواطن أحمد ذو النون من مواطني جبل مرة قائلاً لـ(عاين) إن كل الأدلة والقرائن تشير إلى أن هناك أسلحة غير طبيعية تم إستخدامها في المنطقة، موضحاً أن هنالك تغيير كبير حدث على الأراضي الزراعية التي أصبحت غير منتجة رغم الأمطار الغزيرة هذا العام. ويضيف ذو النون “أيضاً هناك أشجار قديمة قدم البشرية جفت دون معرفة الأسباب، فضلاً عن انتشار أمراض وسط الانسان والحيوان أدت إلى وفيات متعددة دون أسباب أو فحوصات“، ويقول إن القوات الموجودة بالمنطقة لم تسمح بنقل المرضى إلى المشافي لحين وفاته.
وتؤكد المتحدثة السابقة باسم بعثة (اليوناميد) عائشة البصيري فى مقال لها أنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها الحكومة السودانية باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وتقول إن منظمة (أطباء بلاحدود) كانت قد كشفت في وقت سابق عن إستخدام حكومة البشير قنابل عنقودية على المدنيين، وأخرى تحتوي على مواد كيميائية. وتشير البصيري إلى أن تلك الأسلحة تم استخدامها فى جنوب السودان قبل انفصاله، وكذلك في ودارفور، وجبال النوبة، وأكدت البصيري ان اليوناميد فى دارفور عندما ترصد انتهاكات فى دارفور ضد المدنيين إلا أنها تتستر عليها، وليست لها رغبة فى إجراء التحقيقات، وأن البعثة ظلت صامتة عن تقارير الموت و حملات الترويع. وتقول البصيري “الاسوأ ان الولايات المتحدة تناشد السودان لكي يلعب دوراً فى محاربة الإرهاب والتعاون الاستخباري، أما الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تعملان مع الخرطوم للحد من الهجرة غير الشرعية من منطقة القرن الأفريقي“.
وتنتقد البصيري الصمت العربي، وتقول في مقالها “أما في وطننا العربي، فلا يزال الصمت سيد الموقف. حتى الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لم ينطق بحرف واحد، وكأن الادعاءات الخطيرة في دارفور لا تمت بصلة للإنسان وحقوقه الأساسية. ولم تحرك الجامعة العربية ساكناً ولم يتظاهر المواطنون العرب ولو حتى في فضاء (الفايسبوك) الافتراضي الذي سارعوا فيه بتظليل صورهم الشخصية بألوان العلم الفرنسي على وقع هجمات باريس“.