الحياة في كهوف جنوب كردفان
إن أول ما يتبادر إلى الذهن مع احتدام الصراع العسكري في المناطق المأهولة بالسكان هو حصيلة القتلى من المدنيين خلال القصف الجوي، أو نتيجة لنيران الاشتباكات التي اندلعت نيرانها منذ ما يقارب العامين في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق. في حين تتعدى الأزمة الإنسانية القتل المباشر نتيجة المعارك. حيث يشكل نقص الامدادات الغذائية الناجم عن الصراع واحداً من أقسى التبعات لاستمرار القتال بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال.
تشير مريم تية لشوال من القمح في ركن بيتها، وهو عبارة عن مدخل لكهف من كهوف جبال النوبة. تقول مريم معلقةً على الشوال الذي يبلغ ثمنه 100 جنيه سوداني : “هذا آخر كيس للأطفال”، وتضيف بأنه ما أن يفرغ فسوف لن يجد أطفالها ما يأكلونه. مريم واحدة من آلاف النوبة قد هربوا من منازلهم في إقليم جنوب كردفان الحدودي المضطرب، واتخذوا من الكهوف القريبة في الجبال مأوىً لهم.
وبينما يتصاعد القتال بين قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، والقوات المسلحة السودانية، ومع تواصل سياسة الأرض المحروقة التي تتّبعها حكومة السودان في ولاية جنوب كردفان، فإن سكان المنطقة مُجبرون على ترك أراضيهم ومزارعهم وقطعان ماشيتهم وممتلكاتهم. في حين لا يملكون في منازلهم الجديدة الكثير. المياه غير صحية، ولا محاصيل، والأمل متلاشي.
وفقاً لتقدير منظمة طوعية مستقلّة فإن 80 % من العائلات في جبال النوبة تعيش على وجبة واحدة فقط في اليوم، وهو الرقم الذي ارتفع قبل عامين من 0 % ، ولهذا ترتفع نسب نقص التغذية وما يتبعه من أمراض خصيصاً لدى الأطفال.
المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة تقول بأنّ الأزمة الإنسانية هي نتيجة مباشرة للوعود التي لا تفي بها الحكومة السودانية، والحكومة بدورها لا تقدم أي مساعدات غذائية أو طبية لسكان جبال النوبة، فالإتّفاق الإنساني الثُلاثي الذي وقع في الرابع من أغسطس الماضي من قِبل الأمم المتحدة، والإتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية أكد وصول الإمدادات الغذائية لـجنوب كردفان بعد عدة أشهر. فيما زالت المساعدات غير موجودة على أرض الواقع. فضلاً عن ذلك، فإن الحكومة السودانية تمنع بشكل حازم عمل المنظمات الطوعية في تلك المناطق. مما يضطر المنظمات العاملة هناك – على قلتها – إلى المخاطرة بالعمل بشكل غير قانوني.أمور ألماجرو. المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان. أخبرت “مكتب الصحافة الاستقصائية” في بداية هذا الشهر بأنه على الرغم من المطالبات إلا أنه “لم يتم ضمان دخولنا لحمل المساعدات وتوصيل الغذاء الذي يحتاجه الناس [هناك] بشدّة”.
القصف المتكرر من قبل الجيش السوداني ما زال متواصلاً، ومازال تهديد أمن المدنيين قائماً، فأكثر من 100 قنبلة تم إلقائها في جنوب كردفان في أكتوبر الماضي، ووفقاً لصحفيي (عاين) فإن الهجمات على الأرض تُعد أكبر مخاوف الأهالي والعائق الأكبر لوصول الغذاء، فجنود الجيش السوداني يقومون بحرق القرى كجزء من حملاتهم العسكرية في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية.
على الجانب الآخر، فإن الرحلة لمعسكر ييدا للاجئين في جنوب السودان شاقّة جداً، ومع وُجود أكثر من 75.000 لاجئ في معسكر تمّ تصميمه لـ 15.000 لاجئ فقط، فإن الحالة المعيشية متردّية للغاية، والمخزون الغذائي غير كافٍ. بل إن السير إلى هناك بمفرده يعد مخاطرة كبيرة لا تقل في خطورتها عن البقاء في مناطق القصف الجوي.
لا تملك مريم تية طريقة للوصول لمعسكر ييدا، فهو مكان لم تذهب إليه من قبل، ويبعد كثيراً من منزلها في قرية تيس، وهي قرية قامت القوات المسلحة السودانية بحرقها مؤخّراً. تقول مريم: “لا أعلم أين أضع قلبي… وكل ما أريده هو الذهاب إلى البيت
نشر في: ١٩ سبتمبر ٢٠١٢