الجيش السوداني … حالة من التململ
الجيش السوداني … حالة من التململ
– شبكة عاين – ٩ نوفمبر ٢٠١٥ –
تعيش المؤسسة العسكرية السودانية اسوأ حالاتها بسبب أزمة مكتومة بين مكوناتها منذ أن أصدر وزير الدفاع الجديد، الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف، قراراً بتغيير مواقع قادة افرع ووحدات، من بينها تعيين، العميد أحمد خليفة الشامي احد المقربين اليه متحدثاً رسمياً باسم القوات المسلحة، بديلاً عن العقيد الصوارمي خالد سعد، وقد انطلقت الشائعات في أعقاب تسرب خبر التعيين إلى وسائل الإعلام قبل توقيع الوزير على القرار.
العودة للطباعة بمكاينات الرونيو
يقول رقيب فني في الجيش السوداني فضَّل حجب اسمه، لــ(عاين)، إن وزير الدفاع يعتزم العودة إلى الطباعة بماكينات (الرونيو)، بدلاً عن أجهزة الكمبيوتر، خوفاً من التسريبات الإعلامية، وعدَّها خطوة مفصلية نسبة للتكتلات داخل الجيش، والمجوعات التي تنتمي الى هذا او ذاك، موضحاً أن المؤسسة العسكرية تعيش مؤامرات تصفية الحسابات خاصة وأن الوزير الجديد استبدل طاقم الضباط المحسوبين على الوزير السابق، عبد الرحيم محمد حسين الذي تم تعيينه والياً للخرطوم، واستعان بن عوف بخاصته في المراكز الحساسة.
ويشير المصدر الى أن العقيد الصوارمي خالد سعد منذ عودته إلى البلاد قادماً من الأراضي المقدسة اصبح امره مجهولاً، ويرى مراقبون ان القوات المسلحة تم اضعافها بتعمد منذ وصول الإسلاميون الى السلطة عبر انقلاب عسكري، ويعتقد هؤلاء ان الاسلاميين اسسوا قوات شبه عسكرية عبر عمليات التجنيد والتدريب لمجموعات اثنية والتي نشأة منها مليشيا الجنجويد، حرس الحدود، شرطة الاحتياطي المركزي، وان الحركة الاسلامية افسدت الجيش الوطني – بحسب المراقبين – حيث وقع الكثيرون في فخ شراء الاسلحة الفاسدة واصبحت مشروعات البنية التحتية مدخلاً لاستشراء الفساد.
خوف وسط قادة النظام من تململ الجش
وطبقاً لتقارير منشورة على المواقع الإسفيرية، تقول إن المجموعة الحاكمة اصبحت تتخوف من انحياز القوات المسلحة للتحركات الشعبية في حال تصاعدت ضد النظام، وترى هذه المصادر ان تنامي السخط الواسع في صفوف القوات المسلحة سببه فساد السلطة، والذي القى بظلاله على تسليح وتدريب القوات المسلحة، من بينها فضيحة “شراء الدبابات المعطوبة “، والمواد الغذائية فيما عرف بقضية “الزيوت الفاسدة” إضافة إلى ممارسات مليشيات الدعم السريع التى استباحت المواطنين في مناطق العمليات العسكرية ووصلت استباحتها إلى تخوم العاصمة الخرطوم.
وتتحدث اوساط عسكرية في الجيش عن انعدام الرؤية لدى المجموعة الحاكمة، سواء في الأزمة الاقتصادية، العلاقات الخارجية وقضايا الحرب والسلام، وتعتقد ان غياب رؤية تدفع ثمنه دائماً القوات المسلحة من دماء افرادها وضباطها ومن سمعتها كمؤسسة يفترض أن تكون “عمود خيمة الأمن القومي في البلاد”، لا سيما ان الجيش الوطني اصبح يلحق به انه تابع للحزب الحاكم.
ويتداول العسكريون بمرارة بحسب مصادر تحدثت لـ (عاين) ان الفريق امن طه عثمان مدير المكتب الرئيس عمر البشير اصبح احد ابرز اعمدة الفساد في البلاد وانه متورط في عمليات غسيل الاموال، بل يقول هؤلاء الضباط ان طه اصبح في الاونة الاخيرة الآمر والناهي في مفاصل الدولة بما في ذلك القوات المسلحة، ويرى العسكريون ان حالة عدم الرضى مما يجري في القصر الرئاسي بحكم ان البشير ينتمي الى المؤسسة العسكرية التي تتم الاساءة اليه من اقرب الناس له، وتقول مصادر متطابقة ان قادة النظام تلقوا تقارير استخباراتية تؤكد عن وجود رفض وسط الضباط الذين اصبحوا يتحدثون عن ضرورة احداث تغيير للوضع القائم، وهذا ما دفع المجموعة الحاكمة الى تعيين الفريق يحى محمد خير وزير دولة للدفاع واعادة تشكيل هيئة قيادة القوات البرية.
قادة النظام لا يثقون في الجيش
وكشفت ذات المصادر عن إن المجموعة الحاكمة لا تثق كثيراً في وزير الدفاع الذي تم تعيينه حديثاً، وسبق ان تم ابعاده من الجيش في العام 2010، ووضع اسمه على قائمة واشنطن السوداء للاشخاص الذين يتم تجميد اي اصول مملوكة لهم في الولايات المتحدة ومنع المواطنين الامريكيين من القيام بأعم
ال تجارية معه وذلك بسبب ضلوعه في حرب دارفور بشكل واضح خلال عمله كنائب رئيس هيئة اركان عمليات ومدير الاستخبارات آنذاك.
ولذا فضلت المجموعة الحاكمة أن تعين يحيى محمد خير – الموثوق أكثر- لمراقبة بن عوف، وأضافت المصادر أن المجموعة الحاكمة التي تنقصها المعلومات الدقيقة أطلقت قنبلة دخان وعدداً من الإجراءات الاحترازية، فروجت شائعة انقلاب مزعوم في الأونة الأخيرى، وهى شائعة لجمع المعلومات للحد من التحركات، كما اجرت تغييرات جديدة على هيئة الاركان المشتركة، ووضعت أكثر من مائة من ضباط في الخدمة والمعاش من الذين يجهرون بانتقادتهم على قوائم المراقبة اللصيقة وحظر السفر علها تحد من تحركاتهم المحتملة، كما هرع البشير بالزي العسكري لمخاطبة الحاميات العسكرية في العاصمة بغرض الترهيب والترغيب.
قادة الجيش يشكون من تغول جهاز الامن
وقد تسربت معلومات عن ورشة اقيمت بمقر الاكاديمية العسكرية في ام درمان عقدته هيئة الاركان المشتركة في نهاية اكتوبر الماضي بحضور رئيسها الفريق عماد عدوي وجه فيها قادة الجيش انتقادات لاذعة للنظام، واكدوا خلال مداولاتهم الى ان النظام قام بتهميش الجيش وقادة الافرع لا سيما في الولايات، واتهموا الاجهزة الامنية وولاة الولايات بالتغول على الكثير من اختصاصات الجيش خاصة في مناطق النزاعات، وبحسب المصادر التي اطلعت (عاين) على التقرير، فان عدوي اعترف بتدني كفاءة القوات المسلحة وعزوف الشباب عن التجنيد في الجيش وتفشي القبلية وسطه خاصة في مناطق النزاع، وقال عدوي في الورشة : ” لماذا لم يتم تعديل قانون القوات المسلحة منذ العام 2007 على غرار ما حدث لقانون الامن الوطني الذي تم تعديله في العام 2011 “.
وابدى رئيس هيئة الاركان المشتركة خشيته من ان يتحول الجيش الى جيوب ولائية ويفقد قوميته مثلما حدث لقوات الشرطة، داعياً الى تشكيل ما اسماه بجيش ذكي لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد وان تكون نواته الاولى من (30) الف جندي، وقال ان “تجربة الحكم الفيدرالي مكنت جهاز الامن في الولايات وجعلت السلطة العليا له بحسب قانون الامن”، ومن جانبه قال وزير الدولة في الدفاع يحى محمد خير ان هنالك تقاطعات كثيرة بين الجيش وولاة الولايات بسبب تجربة الحكم اللامركزي، واوضح ان كثير من الولايات ترفض التصديق بمنح قطعة ارض للجيش لاقامة معسكرات تدريب.
وكشف الفريق فاروق علي محمد نائب رئيس العمليات الحربية السابق عن مشكلات كبرى تواجه الخطط الحربية بسبب تغول ولاة الولايات، وقال انه واثناء اداءه مهمة عسكرية في احدى الولايات الحدودية – لم يسمها – اعلنت اذاعة الولاية الحرب على احدى الدول المجاورة، التي ايضا لم يسمها.
وفي اول رد فعل على تلك الورشة فقد اعتمد البرلمان السوداني، في الثاني من نوفمبر الجاري، مشروع قرار ينص على دعم الجيش السوداني، ويُلزم السلطة التنفيذية بتوفير جميع الاحتياجات المتعلقة به وتوفيق أوضاعه، بتحسين شروط الخدمة العسكرية لأفراد وضباط الجيش.
أجواء الشائعات وحالة الارباك
ما يثير الانتباه طبقاً لخبراء أمنيين، التحركات بوتيرة متسارعة التي ظهرت على الساحة التي شهدت أحداثاً غامضة في الأشهر القليلة الماضية، أحدها متصل بقطع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من البلاد، تبعه بعد ذلك، دوي انفجارات في منطقة عسكرية في مدينة أم درمان، لكن لم يتم كشف ما حدث، باستثناء تصريحات مربكة من المتحدث باسم الجيش سابقا الصورامي خالد سعد، الذي أعلن وقتها عن قصف المضادات الجوية لجسم متحرك من دون تقديم تفاصيل، بينما سارعت الحكومة في الحادثة الأولى الخاصة بانقطاع التيار الكهربائي للتأكيد على أن الحادثة نتجت عن عطل فني في الشبكة الرئيسية لسد مروي شُيّد حديثاً.
وسبق أن أوقفت الحكومة في نوفمبر 2012 عدداً من الشخصيات العسكرية والأمنية والمدنية المنتمية إلى الحزب الحاكم، بينها أصحاب رتب عسكرية كبيرة، فضلاً عن مدير جهاز الأمن السابق، صلاح عبد الله قوش، في خطوة استباقية لقطع الطريق أمام انقلاب عسكري اتُهموا بتدبيره، قبل أن تعود وتطلق سراحهم بعفو رئاسي، وفي الاونة الاخيرة تتحدث الاوساط السياسية والعسكرية عن سيناريوهات منها فرضية حدوث انقلاب عسكري بالنظر إلى حال التململ داخل الجيش لا سيما وجود طرف جديد في المعادلة هي قوات الدعم السريع التي تنال تمييزاً كبيراً من النظام في الخرطوم، فضلاً عن تفوّقها على الجيش بالتسليح والأجور بشكل خاص، ولكن الانقلابات العسكرية لا تجد اي ترحيب اقليمي او دولي.
وقد كشف كمال عمر الامين السياسي للمؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور الترابي، ان قيادات في حزبه كانت تدعو لاحداث انقلاب عسكري في الفترة الاخيرة وتم اسكاتها، اما الثاني هو احداث تعديلات في قانون القوات المسلحة واعادة الكرامة لها وتقليل الاهتمام بمليشيا الدعم السريع، خاصة ان قوى دولية طالبت الخرطوم بضرورة تفكيك هذه المليشيا المتهمة بارتكاب فظائع وجرائم حرب في دارفور وجنوب كردفان، او سيناريو الانتفاضة الشعبية التي ظلت القوى السياسية تتحدث عنه، وقد تنحاز القوات المسلحة او جزء منها.
وقد رفض الجيش أن تكون قوات الدعم السريع جزءاً منه لاختلاف العقيدة القتالية، وسبق أن صرح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان، المشهور بـ”حميدتي”، إن القتال بالنسبة لقواته بمثابة وظيفة يتقاضون مقابلها أجراً، وقادت تلك القوات عمليات عسكرية ضد الحركة الشعبية والحركات المسلحة في ولاية جنوب كردفان وإقليم دارفور، آخرها الحرب التي قادتها ضد حركة “العدل والمساواة” في منطقة النخارة في ولاية جنوب دارفور، ويقول مصدر عسكري، إن “معركة النخارة شكَّلت الضربة القاضية للعلاقة بين نظام الرئيس، عمر البشير، والجيش، خاصة ان البشير ذهب في اليوم التالي من المعركة لتهنئة هذه القوات وامتدحها ومنحها امولاً”.
لكن المحلل السياسي عبد الله إدريس، يجزم في تصريحات منشورة، بأن السيناريو الأقرب، هو إجراء حوار حقيقي يجمع كافة الأطراف السودانية بلا استثناء للوصول إلى تسوية سياسية شاملة تُقدِّم عبرها الحكومة جملة من التنازلات التي تضمن إنهاء الحرب وإشراك الجميع في السلطة، ويوضح أن “البشير أمامه تحديات عدة، أولها اقتصادي متصل بارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، فضلاً عن استمرار تراجع الجنيه المحلي مقابل العملات الصعبة، إضافة إلى التحدي الأمني وزيادة الصرف عليه”، معتبراً أنه “على الرغم من الانفراج في علاقات الخرطوم مع دول الخليج والذي قد تنتج عنه مساعدات واتفاقيات اقتصادية بين الرياض والخرطوم مؤخراً لكنه يرى ان ذلك لن يُحدث تحسناً جذرياً في الاقتصاد، وإنما سيكون مؤثراً لفترات محدودة، لذلك فإن الحكومة مجبرة لأن تسير نحو التسوية، ولا سيما أنها ستواجَه بضغط غربي كبير”.