التجارة في مناطق النزاع في جبال النوبة يديرها ضباط الجيش الحكومي

 

التجارة في مناطق النزاع في جبال النوبة يديرها ضباط الجيش الحكومي

– شبكة عاين‬ – ١٧ نوفمبر ٢٠١٥ –

من الطبيعي ان تنشط التجارة اثناء الحروبات، وعلى الرغم من خطورتها إلا انها تعد تجارة رابحة، وقد تصل المجازفة فيها الى حد الموت الذي قد يأتي من طرفي الحرب، وعرفت هذه التجارة في مناطق النزاع المسلح في السودان، وتسمى بتجارة (السمبك)، كناية عن التخفي او التسلل لايصال البضاعة الى مناطق المعارضة المسلحة، ولعل النائب الاول للرئيس السوداني السابق علي عثمان محمد طه قد حرض بقتل من يتعامل بهذه التجارة عندما انهارت العلاقات بين بلاده وجنوب السودان عقب الحرب القصيرة على منطقة (هجليج)، اواخر العام 2011، وقال وقتها الرجل لمن يتعاملون على تجارة الحدود “اضرب لتقتل… Shoot to kill”

والمجموعات التي تسيطر على التبادل التجاري تقيم اصلا في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة، وتتبادل السلع الاستهلاكية اما بالنقد (الكاش) او يتم بتبادل المواشي، وتعد هذه التجارة وهو نشاط يؤرق مضاجع الحكومة السودانية التي تسعى لقطع اي إمداد عيني لمناطق الحرب. ولكن رغماً عن ذلك فإن الحدود منسابة، والتبادل التجاري مستمر.

عقوبات تصل الى السجن المؤبد لتجار السمبك

اصدر اللواء( امن ) عيسى ابكر ادم والي ولاية جنوب كردفان مرسوماً مؤقتاً منع فيه التجارة مع الجماعات المسلحة تجارة “السمبك”، وقد صنف من يتعاملون مع تجار “السمبك” بانهم في عداد مرتكبي جرائم تصل عقوبتها الى السجن المؤبد او السجن لمدة اقصر، مع مصادرة املاك من ثبتت التهمة عليه، وقد حدد السلع المحرم تبادلها وهي: الماء- الغذاء الدواء والمحروقات، اضافة الى وسائل وادوات الاتصال، وقد اثار هذا القرار حفيظة عدد من سكان الولاية، اللذين اتهموا شخصيات نافذة بانها هي وراء ممارسة تجارة “السمبك”.

ويعتقد المواطنون ان السبب الرئيسي وراء هذا قرار الوالي هو احتكار “تجارة السمبك” لقيادة الجيش والامن اللذين نشطوا في هذا المجال اقتصادياً في كل الحروب التي شهدها السودان قبل (32) عاماً في جنوب السودان، جبال النوبة والنيل الازرق ومؤخراً في دارفور، اما من ناحية سياسية فإن الحكومة الولائية تسعى لتصفية خصومها السياسيين وتكميم افواههم بتوجيه مثل هذه الاتهامات لكل من يعارضها بانه يعمل في تجارة “السمبك”.

ضباط الجيش : حاميها حراميها

يقول محمد صالح معتمد الرئاسة في حكومة ولاية جنوب كردفان لـ (عاين ) ان تجارة “السمبك” تمثل خطراً حقيقياً ويهدد الامن والسلام الاجتماعي في الاقليم من ناحيتن، ويشير الى ان الاولى هي تعرض المواطنيين لخطر القصف المدافعي والجوي اثناء تجوالهم في مناطق النزاع المسلح، ويقول ان الامر الثاني هو توفير الاحتياجات الاساسية ” للمتمردين” وان ذلك يساعدهم في تقوية انفسهم وزيادة الهجوم على المناطق الامنة، ويضيف ” لذلك يتم التعامل بشكل حاسم مع كل من تسول له نفسه الضلوع في هذا الأمر او مجرد الاشتباه فيه “، ويشدد على ان اي مواطن يتم القبض عليه متلبساً في تجارة “السمبك” سيتم التعامل معه على اساس انه “طابور خامس” يدعم المتمردين، ويقول ان قرار الحكم يقع تحت مسؤولة القوات المسلحة التي لن تتوانى في توقيع اقسى العقوبات على من يتم ضبطه متعاملاً في هذه التجارة.

ولكن المواطن (م.ر.) من سكان كادوقلي، إتهم شخصيات لم يسمها في حكومة الولاية، تقوم بتسيير قوافل تجارية عبر المواشي والدراجات الى مناطق الحركة الشعبية، لزيادة ارصدتها في البنوك، وكشف عن ان هنالك ضباط في الجيش معروفين يعملون في تجارة (السمبك) عبر مجموعات سكانية من قبائل معينة، مثل عرب الحمرة، وبعض الحوازمة، موضحاً إن الامر اكبر من ان يُطلق عليه اسم (السمبك) لانه يُدار عبر شبكات معقدة وتتم الحركة في فترات محددة، ويقول ان “بعد ان تتم التغطية الكاملة من قبل افراد الجيش، الذين يتقاسمون الارباح مع قادتهم”.

وناشد (م.ر.) والي جنوب كردفان بضبط جيشه اولاً، ثم بعدها يمكنه الحديث عن المدنيين، الذين يقول انهم عادة ما يقعون ضحية لشخصيات نافذة، ويقول لان تجارة (السمبك) تدر ارباحاً طائلة، وتوقع ان تتبع الحكومة قراراتها بحملة عتقالات واسعة على الناشطين السياسين بتهمة العمل في تجارة (السمبك) لتصفية حساباتها معهم.

فرق شاسع بين اسعار السلع في مناطق الحكومة عن الحركة

من جهتها ابلغ مواطنون يتعاملون في هذه التجارة شبكة (عاين) عن الفرق الشاسع للاسعار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، عن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية في جنوب كردفان، حيث يصل كيلو السكر ما بين (15الى 20) جنيهاً ضعف سعره في مناطق الحكومة حيث يبلغ سعره نحو (8) جنيهات، اما كيلو الدقيق (سيقا) يتم بيعه في مناطق الحركة بنحو (20) جنيه فيما يباع في مناطق الحكومة ب (9) جنيهات، وكذلك يباع رطل الزيت في مواقع الحركة بنجو (20) جنيه، وفي مناطق الحكومة (12) جنيه، وصابون الغسيل بواقع (3) جنيهات غير انه يباع في مناطق الحكومة بجنيه ونصف الجنيه، وتعد سلعة حجار البطارية هي الاكثر شيوعاً حيث وصل سعر الجوز الى (15) جنيه بينما لما يتفاوت سعره الـ(5) جنيهات في مناطق الحكومة، ومعجون الاسنان فقد بلغ سعر الحجم كبير ماركة سيجنال (50)جنيه، ضعف سعره في كادوقلي مثلاً حيث يباع بـ(25) جنيه.

اما وقود السيارات فقد بلغ سعر جالون البنزين (160) جنيهاً في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة، بينما تتررواح اسعارة بين (60 – 70) جنيه في مناطق الحكومة، وهو الأمر الذي قاد مصدر تحدث لـ(عاين) الى اتهام شخصيات نافذة في حكومة ولاية جنوب كردفان باحتكار سوق تجارة (السمبك)، مؤكداً ان اللذين يحتكرون تجارة (السمبك) هم انفسهم من دفعوا الوالي لان يصدر قراره ظاهره مكافحة (السمبك) وباطنه زيادة ثراء المتنفذين، قاطعاً انه لن يجرؤ مواطن على الزج بنفسه في هذه التجارة ما لم يجد من يحميه.

انسياب السلع الى مناطق الحركة الشعبية متواصلة

من جهتة قال تاجر من محلية البرام التي تقع ضمن المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لـ (عاين ) بعد ان طلب عدم الكشف عن هويته لاسباب امنية، ان عملية انسياب البضائع من مناطق سيطرة الحكومة متواصلة منذ اندلاع الحرب الى يومنا هذا، موضحاً ان التعثر فقط في فصل الخريف، نسبة لصعوبة المرور. وقال ل(عاين) ان تعاملهم مع شخصيات محددة، يتم التعامل معهم نقداً او (مقايضة) بالبقر، فمثلاً جوال السكر تتم مقايضته بعجل (مصلاب)، وجركانة الزيت الكبيرة بخروف، هذا في حالة عدم توفر سيولة.

واستدرك التاجر بقوله “بالنسبة لنا نفضل التعامل النقدي ولكن في حال انعدامه تتم (المقايضة) وهي افضل لان المواشي عندنا خاصة الضان والابقار هي الاكثر عرضة لقصف الانتنوف”، مشيراً الى المخاطر الامنية، ويقول “نحن كتجار موقفنا واحد فمثلاً الحركة الشعبية ان عثرت علينا نتعامل مع هؤلاء التجار قد تتهمنا بمساعد (الجلابة) وكذلك الجانب الثاني قد يتهمنا باننا طابور خامس نعمل لصالح التمرد”، ويضيف “لكن حسب تواصلي مع زبائننا الموردين فاغلبيتهم يعملون مع قيادة عليا في القوات المسلحة السودانية”.

ويرى المقدم معاش والخبير الاقتصادي قادم النو في حديثه لـ (عاين ) ان (السمبك) تجارة ليست رابحة لمن يسلكون طريقها رغم الصعوبات التي يجنيها التاجر وهي من التجارات القديمة قدم التاريخ، ويضيف “لذلك من الصعب على الحكومات مكافحتها بشكل قاطع”، موضحاً ان التضخم الاقتصادي والفوراق الطبقية في مناطق الصراع تعود الى اشتغال عدد كبير من الناس.