الانتفاضة في السودان تدخل يومها الثامن: عشرات القتلى ومئات الجرحى والسلطات تنفي
٣٠ سبتمبر ٢٠١٣
دخلت الانتفاضة السودانية أسبوعها الثاني حيث بدأت بتظاهرات رافضة لقرار رفع الدعم عن المحروقات الذي أعلنه المشير عمر البشير رئيس الجمهورية في مؤتمر صحفي وصفه بعض المراقبون بأنه كان مستفزاً إلى درجة أدت إلى اشعال المظاهرات. فيما ارتفع سقف المطالب لدى المتظاهرين إلى اسقاط النظام.
وقد شهدت معظم مدن السودان الكبرى احتجاجات جماهيرية قابلتها السلطات بالعنف واطلاق الرصاص الحي مما أدى إلى مقتل أكثر من ٢٠٠ مواطن خلال ٣ أيام. كان آخرها خروج طلاب وطالبات جامعتي الخرطوم والأحفاد في مظاهرات تم محاصرتها وتفريقها بالقوة نهار يوم الاثنين ٣٠ سبتمبر. في حين أعلنت القوى السياسية دخولها في العملية السلمية عشية اليوم نفسه، بتنظيم تأبين للشهداء بدار حزب الأمة القومي بأم درمان.
تعتيم اعلامي
وشهدت البلاد حالة من التعتيم الإعلامي تواكبت مع تطور الأحداث. حيث قامت السلطات باغلاق مكاتب قناتي العربية وسكاي نيوز لتغطيتهما للتظاهرات في السودان. بينما أضرب عن العمل أكثر من ١٥٠ صحفي في شبكة الصحفيين السودانيين بعد أن طلبت منهم الأجهزة الأمنية عدم تغطية الأحداث، وقامت الأجهزة الأمنية بمصادرة صحيفتي القرار والجريدة من المطابع وإغلاق أبواب جريدة الانتباهة.
اضراب عام
وفي تطور لافت أعلنت القوى السياسية عزمها على تصعيد العمل السلمي. حيث قال عضو هيئة قوى الإجماع الوطني المهندس محمد فاروق لـ(عاين): “تنسيقية الثورة أجمعت في اجتماع لها على تصعيد العمل السلمي، وأن هنالك ترتيب يتم الآن لعصيان مدني بعد اتفاق عدد من النقابات على ذلك، وهي نقابات الأطباء، الصيادلة والمهندسيين. إضافة إلى شبكة الصحفيين السودانيين وعدد من النقابات الأخرى”. موضحاً لـ(عاين) أن العمل الذي تم هو “عمل جماهيري من ارادة الشعب السوداني دون التنسيق من أي حزب”.
على الصعيد نفسه قالت نعمات مالك، عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني في لقاء مع (عاين) أن الحزب يتعاطى مع الأوضاع الحالية ضمن سياق قوى الإجماع الوطني واصفة التحالف بالقوى الموحدة، وأنه ما من حزب داخل التحالف يتعاطى مع تطورات الأحداث بشكل منفرد. واصفة ما تقوم به الحكومة بالخداع حيث أن قرارها الأخير ما هو إلا رفع لأسعار الوقود وليس رفعاً للدعم، على حد تعبيرها.
وقالت مالك : “إن ما يحدث الآن هو ثورة جياع، وما يدفع المتظاهرين للخروج بهذه الكثافة هو أنهم إلم يموتوا بالرصاص فسيموتون بالجوع”. وعلقت بأن القوات الأمنية تسارع إلى استخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع بشكل كثيف ما أن تصل للتجمهرات، وعندما قالت بأن سقف المطالب قد ارتفع لاسقاط النظام أضافت : “إن أي سيناريو مطروح لانقلاب عسكري لن يكون إلا من صنيع المؤتمر الوطني نفسه لارتداء قميص جديد”.
وعند سؤالها عن دور الحزب في اللحاق بهذه الموجة من المظاهرات المتسمة بغياب القيادة قالت نعمات مالك أن الحزب أقام ندوة بدار التحالف في أم بدة يوم الاثنين ٢٣ سبتمبر عشية اصدار القرار وأن مجموعة من المنتسبين لجهاز الأمن والاستخبارات الوطني قامت بايقاف سيارتها بعد خروجها من دار التحالف حيث تم اصطحابها الى واحد من مقرات الجهاز في منطقة معزولة من أم بدة لم يكن بها أي مباني سوى ذلك المقر، وأنه تم التحقيق معها بشكل غير رسمي، ولم يطلق سراحها إلا مع ساعات فجر الثلاثاء.
تقول مالك : “سألني أحد الضباط : انت اخترتي الندوة تكون في أم بدة عشان حتة تعبانة؟ قلت له ناس الرياض زاتهم بقو جعانين” في اشارة إلى أن الأحياء الراقية بالخرطوم قد تضررت من قرارات الحكومة أيضاً.
اعتراف رسمي
من جانبه وصف المؤتمر الوطني الحاكم العمليات الاحتجاجية بـ”العمليات التخريبية”. وأكد وزير الداخلية إبراهيم محمود في مؤتمر صحفي عقد الاثنين ٣٠ سبتمبر أن التظاهرات هي عبارة عن فوضى عقب قرار رفع الدعم عن المحروقات، وأن اعتداءات تمت من قبل مجرمين مرصودين بالنسبة لهم. موضحاً أن عدد القتلى قد وصل ٣٣ فرداً بالخرطوم وواحد بود مدني، وأردف كاشفاً عزم الحكومة على تقديم الجناة إلى العدالة. سواءً كانوا داخلياً أو خارجياً.
وفي ذات المؤتمر الصحفي قال والي الخرطوم عبدالرحمن خضر أن المواطنين الذين خرجوا في هذه التظاهرات أقلية وليس كل مواطني الخرطوم كما يصور البعض. مضيفاً أن هنالك عمليات تخريب كبيرة طالت ممتلكات حكومية وأخرى مدنية وحصرها في الآتي: ٣٨ طلمبة وقود أحرقت بالكامل. كل أقسام الشرطة بولاية الخرطوم تعرضت للتخريب بينما دمرت ٣ أقسام بالكامل، وتم تدمير ١٩ موقع لبسط الأمن الشامل، وأحرقت ٣ حافلات من شركة ولاية الخرطوم للنقل وتعرض ١٠٥ منهم لأعطال أخرجتها من الخدمة، ونهب بنك فيصل الإسلامي بسوق ستة وبنك الشمال من مبالغ قدرها بعشرة مليون جنيه من كل بنك، وأحرقت ٧ مكاتب لتحصيل الكهرباء. إضافة إلى احراق ٨ صيدليات.
وفي ختام المؤتمر الصحفي أمر وزير الاعلام أحمد بلال عثمان باعتقال الصحفي بهرام عبد المنعم من صحيفة اليوم التالي بعد سؤال اتهم فيه الحكومة بالكذب وانكارها للحقائق، وزاد: “انكم تجلسون على جماجم الشهداء”. فقام وزير الاعلام باتهامه بتشويه صورة الحكومة وأمر بفتح بلاغ ضده.
اجماع شعبي
ويقول الناشط الجيلي عبد الماجد لـ(عاين) عبر الهاتف: “عملية اسقاط النظام أصبحت هي الخيار الأوحد لعامة الشعب السوداني”. واصفاً ماتقوم به السلطات من قمع للتظاهر بـ”البربرية، وقال: “النظام الآن في حالة من اللاوعي جعلته عدو للشعب السوداني فهو الذي يقتل في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأيضاً يقتل الآن في الخرطوم، مدني، بورتسودان وعطبرة، وبذلك أصبح العدو الأول لعامة الشعب السوداني”، وحول سؤالنا عما إذا كانت التظاهرات قد وصلت إلى نهايتها قال: “الذي أصبح يربطنا بهذا النظام هو ثأر ودم كل الشهداء الذين سالت دمائهم دون أدنى وازع ديني، ونسبة القتلى ترتفع كل يوم، آخرها شهداء المالحة بشمال دارفور يوم أمس الأحد والبالغ عددهم 5، قتلوا بدم بارد”.
ويقول محي الدين آدم، وهو ناشط من دارفور، لـ(عاين): “السلطات أصبحت تقابل السيل الجماهيري الممتد بالسلاح لاغيره، وهو مايشير إلى اقتراب أفول شمس النظام”. وكشف أن هنالك غرف عمليات للمحافظة على وتيرة الانتفاضة بكل ولايات دارفور وأضاف: “نحن الآن بصدد الوصول إلى الذين يقومون بتصويب النار بدقة على صدور المواطنين، فالذين قتلوا بالأمس في المالحة تم اقتناصهم في الرأس والصدر بعناية فائقة”.
الجبهة الثورية
وفي أول تصريح رسمي له منذ اندلاع المظاهرات بالسودان طالب رئيس الجبهة الثورية السودانية الفريق مالك عقار كافة جماهير الجبهة الثورية بالانضمام ألى العمل السلمي بكل مدن السودان. موضحاً عبر بيان رسمي تحصلت عليه (عاين) أن الجبهة الثورية ستعمل بجانب كافة التنظيمات السياسية الشبابية لاسقاط النظام عبر الخيار السلمي.
وقال في البيان: “بعد الذي جرى والقتل والتنكيل فإن الانتفاضة قد تجاوزت مطالب الاجراءات الاقتصادية وأصبح اسقاط النظام واجباً ملحاً لا بد منه”، وقد كشف البيان عن مراجعة الجبهة الثورية لختطها العسكرية: “الجبهة الثورية كانت وما زالت تعد لعمليات الصيف القادم وقد أخذت قيادة الجبهة الثورية في الحسبان عند اجتماعها الحالي التطورات والمستجدات التي أحدثتها انتفاضة سبتمبر ووجهت القيادة العسكرية المشتركة بأخذ ذلك في حساباتها وتطوير خطة عسكرية لكل ما من شأنه تعزيز الانتفاضة السلمية والاسراع بعملية التغيير”.