أمير موسي: مشروع فني مقاوم رغم القهر والتمييز

تعد تجربة الفنان أمير موسي رحلة مقاومة ذاتية و سيرة نضالية ثرة لم تجد الاهتمام نسبة لإهمال الدولة للمبدعين بشكل عام وعدم وجود مؤسسات ثقافية ترعى الفنون والمهارات والتجارب الشبابية على وجه الخصوص. ولم تجد تجربة أمير موسي  كذلك حظها من التوثيق باعتباره من الفنانين الذين يمتلكون مشروعا ورسالة فنية من أجل التغيير الاجتماعي والثقافية والسياسي في البلاد، بل علي العكس من ذلك يعاني موسى من الاقصاء والقهر بل وحتي الضرب والاهانة بسبب دوره السياسي في دعم الحركات الشبابية والمبادرات الاجتماعية والثقافية ذات المضامين الديمقراطية.

رحلة موسى في البحث عن ذاته كإنسان يعاني من الاعاقة الجسدية، جديرة أيضا بالتأمل إذ عكس الفنان المرهف معاناته تلك على مستوى الاهتمام بالناس وقضايا العمل العام والتغيير، فكانت اغنياته والكلمات والشعراء الذين تغنى بكلماتهم منحازة لبسطاء الناس اضافة الى تجارب ومبادرات إنسانية لرعاية الاطفال مجهولي الابوين، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من الاهتمامات.

البداية والنشأة

ولد الفنان امير موسي كافي بولاية القضارف بشرق السودان، في الرابع عشر من نوفمبر 1979، بحي قشلاق الشرطة، ولازمه شلل الأطفال منذ أن كان عمره ثلاثة سنوات في ذات الوقت الذي فقد فيه والده الذي كان يعمل في الشرطة.

لكن عصامية أمير موسي بدأت منذ الطفولة،  فالتحق بالتعليم في ولاية القضارف حيث تلقى تعليمه الأولي في مدرسة الاساس ديم النور،  ثم مدرسة القضارف الثانوية القديمة، ورغم التحاقه بكلية علوم التقانة إلا أنه لم يكمل دراسته الجامعية واضطر في العام 2002 للتخلي عن فرصته في الدراسة الجامعية بسبب خضوعه للعلاج.

ويقول امير موسي لـ(عاين) انه كان محظوظا في تلك الفترة إذ وجد اهتماما كبيرا من أبناء الحي وزملاء الدراسة الأمر الذي ساعده في استكمال تعليمه الأولي والثانوي في القضارف.  “المجتمع كان مترابطا خاصة في قشلاق البوليس، الذي كان عبارة عن بيت واحد كبير، كل الناس إخوة يتشابهون في طريقة التفكير”

ويروي أمير في مقابلة خاصة مع شبكة (عاين) أن دور الأسر الكبير ودعمها له في مسيرته رغم وفاة والده ، ساعده كثيرا في تجاوز العديد من العقبات، مشيرا الى وجود صورة ذهنية وتنميط لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع السوداني. مضيفا “الاسرة قامت بذلك بدون يشعروا أنهم ختوا ليك عقبات، هم ما يكونوا شايفنها عقبات، خاصة عندما يكون عندهم فكرة في راسهم، وانت عندك فكرة مختلفة، وبالذات عندما يكون شايفنك عندك عدم قدرة، وانت شايف عندك قدرة كبيرة جواك ، الزول عشان كدا من قصد او بدون قصد طلع متمرد”.

عشق الموسيقى

أمير موسي: مشروع فني مقاوم رغم القهر والتمييز

ولعب إصرار أمير على تجاوز اعاقة الاطفال في ذلك العمر المبكر دفعه نحو اكتشاف حبه للموسيقى الامر الذي اسهم بشكل فارق في تكوين شخصيته لاحقا. وقاوم أمير الإعاقة ونظرة المجتمع واعتراضات الاسرة في بدايات تجربته الفنية التي حرمته من الالتحاق بكلية الموسيقى والدراما، ليواجه لاحقا الاقصاء والقهر من قبل السلطة أيضا.

ويضيف أمير “الموسيقى بدت بدري وانا في رحلة علاجية إلى دولة الكويت، اتذكر يوم من الايام شفت أورغن صغير معروض للبيع، فخليت أي شئ وقلت بس انا عايز الاورغ دا ما داير أي شئ، وفعلا بديت الاهتمام بالموضوع دا، وفي خلال ثلاثة سنوات بعدها انا كنت العازف بتاع كل الاحتفالات في المدرسة، وشاركت في الدورة المدرسية”. ويمضي أمير قائلا ” الموسيقي مسيطرة على جزء كبير من حياتي، وكل أوقات الفراغ العندي بتكون عبارة عن موسيقى، ودا الجو الانا عايز أعيش بيهو حياتي”.

ويروي أمير قصة عشقه لالة العود والعزف عليها وانطلاقه في التلحين وشحن الذاكرة الموسيقي بعبق ترانيم العود التي لعبت دورا كبيرا في نضج تجربة أمير الموسيقية والفنية.  “العود واحد من الآلات التي تأسرك واللي بتخليك تتنازل عن اي شئ، والعود يجبرك انك تغني وتلعب في شحن الذاكرة بالموسيقى”.

 

مشروع فني

ويقول أمير لـ (عاين) ان بدايته الفنية كانت مع فرقة “ترابدور” الفنية ، وأنتج أول أغنية باسم “يوم غريب” في العام 2009، وتواصلت منذ ذلك الحين تجربته الفنية الغنية بالغناء للناس العاديين وعكس امالهم واحلامهم وطموحات جيل الشباب.

وامتلك أمير  ذخيرة لحنية وموسيقية غنية صقلها بالاستماع والتجربة والإصرار، وبدأ في الظهور للناس وتكوين مستمعين ومعجبين. وبدأت اغنياته في الانتشار وسط طبقات الشباب وطلاب الجامعات منذ بداية تجربته الفنية في العام 2009.

ويمضي أمير واصفا بداياته الفنية بالصعبة والمليئة بالمتاريس” اتخذت قرار بضرورة الاستمرار في تجربتي الفنية رغم أن الطريق ظل مليئا بالعقبات والمتاريس، وبدأت أعمل بشكل فردي حتى استطعت تكوين مستمعين وسط طلاب الجامعات، وبدأت أعمل جلسات استماع في منابر الجامعات مثل جامعة امدرمان الاهلية، وجامعة الخرطوم، ومن هنا استطعت أن أوطد علاقتي بالمستمعين والوسط الفني”.

ولان أمير ليس مؤديا أو مغنيا عاديا، بل فنان يحمل رسالة حياتية ومجتمعية، فقد انخرط في عددا من المبادرات المجتمعية ذات الحس الانساني مثل مبادرة “المسرة” التي تعنى بالأطفال مجهولي الأبوين، وغيرها من المبادرات.

ويقول أمير عن تلك الفترة أن مشروعه الفني اتسم بإفراد مساحة خاصة للبعد الاجتماعي للفن” اشتغلت متطوع في منظمة اسمها المسرة كانت تعمل في الاهتمام بالأطفال مجهولي الأبوين، وأديت والفت كمية من الأغنيات في تلك الفترة لها علاقة بهذا الجو ، ودا خلا انو المشروع الفني بتاعي يتسم بهذا البعد الاجتماعي، لكن دا ما يعني انو مشروعي ما فيهو الاغنية العاطفية”.

ويلخص أمير مشروعه الفني بالقول “البِحس بيهو انا بالأغنية عايز أوصل للناس وأشاركهم أفراحهم وأحزانهم ومحبتهم وهمومهم”.

ويرفض أمير محاولات البعض التكسب أو الوصول للشهرة عن طريق الفن، مبينا أنه رسالة إنسانية وتواصل خفي مبني على الحب بين الفنان وجمهوره. مضيفا أن “طريقة تفكيرك وانت مغني وغير مغني تختلف، والفن فيه تفاصيل غريبة، وعلى سبيل المثال عندما بدأ اسمي يتداول في الجامعات لمست أشياء جديدة، تغيرت في شخصيتي وفي فهمي وفي التعاطي بتاعي مع الأمور كلها”.

تعد تجربة الفنان أمير موسي رحلة مقاومة ذاتية و سيرة نضالية ثرة لم تجد الاهتمام نسبة لإهمال الدولة للمبدعين بشكل عام وعدم وجود مؤسسات ثقافية ترعى الفنون والمهارات والتجارب الشبابية على وجه الخصوص. ولم تجد تجربة أمير موسي كذلك حظها من التوثيق باعتباره من الفنانين الذين يمتلكون مشروعا ورسالة فنية من أجل التغيير الاجتماعي والثقافية والسياسي في البلاد، بل علي العكس من ذلك يعاني موسى من الاقصاء والقهر بل وحتي الضرب والاهانة بسبب دوره السياسي في دعم الحركات الشبابية والمبادرات الاجتماعية والثقافية ذات المضامين الديمقراطية. رحلة موسى في البحث عن ذاته كإنسان يعاني من الاعاقة الجسدية، جديرة أيضا بالتأمل إذ عكس الفنان المرهف معاناته تلك على مستوى الاهتمام بالناس وقضايا العمل العام والتغيير، فكانت اغنياته والكلمات والشعراء الذين تغنى بكلماتهم منحازة لبسطاء الناس اضافة الى تجارب ومبادرات إنسانية لرعاية الاطفال مجهولي الابوين، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من الاهتمامات.

تجارب فنية و ثنائيات

ومنذ ذلك الحين بدأت تجربة أمير موسي ملتصقة بأحلام الجمهور وحياته، مغنيا من أجل الأمل والحرية وناثرا كلمات العديد من الشعراء أغنيات وصلت لقلوب الشباب الذين أحبوا تجربته. وقام أمير موسي بتلحين واداء العديد من الكلمات لشعراء كثر منهم الشاعر المبدع عمر عبدالمجيد الذي غنى له قصيدة “حد العشق”.

لكن أمير يرى أن تجربته الثنائية مع الشاعر عبدالوهاب شمس الدين  كانت فارقة في رحلته الفنية عندما غنى له عدد من الأغنيات أبرزها اغنية “ريحة الذاكرة” وكذلك نص أخر باسم “حبيبة لاقتك المغيرب”. ويقول أمير أن هذه الأغنيات اثرت شهية النقاد والمستمعين للتعمق في الكلمات وكذلك الأبعاد اللحنية والتوزيعية لتلك النصوص. ويضيف أمير قائلا” البعض يري ان امير موسي قد ظلم النص، وآخرون يرون أنه غير في النص، وآخر فرح من الأداء، إن “ريحة الذاكرة”  احدي الاغاني الجميلة التي شكلت مسيرتي الفنية”.

لم تتوقف تلك المسيرة الفنية عند الاغنيات والتجارب العاطفية، لكن أمير اتجه ايضا الى تلحين النصوص التي تتبنى المقاومة وترنو الي الحرية، ولحن نصوص في تلك التجربة لشعراء مختلفين أمثال عثمان بشري كما التقى بالشاعر علي نصر الله، في أغنية (نشرفك يابلد) التي يصفها أمير بأنها “اغنية متخمة بالاحساس الوطني”.

ومنذ أن أخذت تجربة أمير موسي الفنية ذلك المنحى بدأت معاناته مع السلطات، ويقول أمير ” الاغاني التي تقود الناس إلى التفكير ، الحكومة لا تسمح بمنابر لها، لذا ستظل الجامعات والطلبة هم شعلة الوعي، والشباب في داخلهم الوعي، لذا سنظل نغني من أجل خلق واقع أفضل وغد أجمل”.

إساءة عنصرية

وفي مطلع العام الحالي تعرض أمير موسي اثناء مشاركته في التظاهرات التي اندلعت في عدد من المدن السودانية احتجاجا علي الغلاء والقهر والديكتاتورية، للضرب والاهانة من قبل الشرطة التي ألقت القبض عليه وأطلقت سراحه عقب وابل من توجيه الاساءات العنصرية له بسبب الاعاقة الجسدية.

يقول أمير عن تلك الحادثة ” في المظاهرات الاخيرة كنت فرحان بالحراك الحاصل، وما عايز اشوفو في الوسائط بس، وبأقل تقدير اذا ما كنت مشارك فعلي، على الأقل أكون شاهد عيان”.

ويؤكد أمير تعرضه لاساءات عنصرية بسبب الاعاقة عقب القبض عليه بواسطة جهاز الأمن، مضيفا ” كنت بصور وشافوني أفراد الأمن وقلعوا مني التلفون لحدي ما جاء الضابط وشال التليفون، وقال لي العبارة البقولوها الناس الممكن يكون وعيهم قليل، ((ياخي والله لو ما عصاياتك دي كان رفعتك في الدفار”.  

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة

أمير موسي: مشروع فني مقاوم رغم القهر والتمييز

ويتعرض ذوي الاحتياجات الخاصة في السودان للعديد من أشكال التمييز ضدهم رغم أن القوانين في البلاد تكفل لهم كافة حقوق المواطنة على قدم المساواة مع غيرهم من السودانيين لا سيما بعد مصادقة الحكومة السودانية في العام 2009 علي الاتفاقية الخاصة بالاشخاص ذوي الاعاقة اضافة لكفالة الدستور الانتقالي للسودان لعام 2005 لكافة الحقوق الدستورية لذوي الاحتياجات الخاصة.

لكن الصحافي والناشط في حقوق المعاقين، ناصر النوراني يبدي عدم تفاؤله بحصول ذوي الاعاقة على الحقوق، ويستبعد التغيير في الفترات الراهنة، فيما يتعلق بالحقوق المطلبية، ويتهم التنظيمات النقابية بعدم الاهتمام بحقوق المعاقين في البلاد، ولا يتوقع النوراني جديدا لهم في مستقبل البلاد، رغم قدرة الكثيرون منهم على اثبات ذاتهم وقدراتهم على تحقيق قصص نجاح متعددة.

ويؤكد أمير موسي في هذا السياق أنه تعرض للكثير من العراقيل والمنع من قبل الاذاعة والتلفزيون وغيرها من المنابر التي تمنعها الحكومة من استضافة مثل تلك المنابر. قبل أن يضيف انه يتعرض باستمرار للقهر والمنع والمحاربة من قبل النظام بالإضافة للتميز الموجود أصلا ضد ذوي الإحتياجات.

” أنا في كل مسيرتي عملت حفل جماهيري واحد، ولقيت فيهو كمية من الصعوبات لدرجة كنت عايز اوقف بعد ما عملت دعاية واعلانات”.

ويختتم أمير حديثه مؤكدا أنه سيستمر في الغناء للبسطاء رغم المنع والقهر، مضيفا ” يبقي الاجمل انك تغني للناس في أي مكان وفي أي زمان وفي أي وضع في الشوارع والبيوت وفي المسارح الصغيرة وفي النوادي”.