تقرير: شبكة عاين 5 فبراير 2018
لم يجد إنذار الخبراء والمختصين في الشأن الاقتصادي من مغبة زيادة المحروقات والسلع الاستهلاكية؛ اضافة الى زيادة الضريبة الجمركية اذعان من الحكومة السودانية. فقامت بإجازة موازنة 2018 التي انعكست بشكل مؤثر على حياة الناس، حيث زادت كل من تعرفة المواصلات، سعر الخبز، والسكر وغيرها من المواد الاستهلاكية. أدت هذه الزيادات الى حراك عفوي في عدد من مدن السودان رفضاً للغلاء تداعى لها مهنيين، سياسيين وناشطين، لكن الحكومة قابلتها بعنف مفرط والإعتقالات. اعقب ذلك تجمع في ميدان الاهلية بأم درمان ومؤتمر صحفي لإمام الأنصار وزعيم حزب الامة دعى من خلاله لوحدة صف المعارضة واسقاط النظام.
إحتجاجات بسبب الغلاء
سيرت القوى السياسية مسيرات احتجاج سلمية، ضد ارتفاع الاسعار، جاءت الاولى بدعوة من الحزب الشيوعي السوداني ظهيرة الثلاثاء 16 يناير تهدف لتسليم مذكرة لحكومة ولاية الخرطوم، تصدت لها اجهزة الامن الحكومية بالقمع المفرط، ولكن الجموع السودانية احتشدت في اليوم التالي بامدرمان في حراك سلمي كان هو الاعنف من قبل أجهزة الأمن، حيث تم استخدام العصى الكهربائية ضد المتظاهرين فضلاً عن الهروات والغاز المسيل للدموع. ورغم تصريحات الحكومة السودانية بدستورية التظاهر السلمية إلا ان اجهزتها الامنية قامت باعتقال العشرات، من القيادات السياسية وناشطين وصحفيين بينهم الصحفية امل هباني، سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب، وعضو مركزية الحزب صديق يوسف، ونائب رئيس حزب الامة محمد عبد الله الدومة الذي نُقل الى سجن شالا شمالي دارفور، وامين عام حزب الأمة سارة نقد الله وآخرون.
وكانت الأجهزة الأمنية قد استبقت ذلك بحملات اعتقالات واسعة لكوادر حزب المؤتمر السوداني، على رأسهم رئيسيه، السابق ابراهيم الشيخ، الحالي عمر الدقير. هذا وقد شهدت الاحتجاجات السلمية الولائية مقابلة بالرصاص الحي راح ضحيتها المواطن الزبير ابراهيم سكيران بمدينة الجنينة غربي السودان.
لم تكن هذه الاحتجاجات هي الاولى من نوعها في السودان بسبب الزيادات على المحروقات والسلع الاستهلاكية. حيث شهد العام 2013 احتجاجات واسعة، راح ضحيتها العشرات من الشباب بالرصاص الحي؛ وسط احياء العاصمة الخرطوم. وكان السودان قد فقد ثلث عائدات نفطه بعد انفصال الجنوب في ظل غياب الإنتاج وإشعال الحروب على طول حدوده مع جنوب السودان وهي المسافة التي تقدر ب 2000 كيلومتر؛ الامر الذي انعكس على حياة الناس بشكل مباشر.
المسكين بعيش على جاروا
شكى مواطنين سودانيين من غلاء الأسعار وصعوبة الحياة بعد الزيادات الاخيرة. حيث تقول المواطنة سلوى زكريا من الضعين “عيش ب15جنيه ما افطرنا وملوة العيش ب 60 جنيه ما بتقعد يومين ما عارفين نعيش كيف“. اما المواطن علي احمد من معسكر النيم بدارفور قال لـ(عاين) “في خلال ستة شهور الاسعار لو ما قلت بكون عندنا سوء تغذية ومجاعة ” مناشداً الحكومة بـ”توفير الأمن ويرجعنا مناطقنا عشان نعيش بسلام وحياتنا تبقي اقل”. من جهته لم يتوقع عضو الغرفة التجارية بمحلية الضعين انخفاضاً في الاسعار قائلا لـ(عاين)” ما اتوقع يكون في انخفاض في الاسعار لانو المشكلة في إدارة الصادرات، والسودان ده برسيم بس ممكن نغنى منو لكن في مشكلة في ادارة الدولة، فعلى المسئولين أن يتقوا الله فينا”. اما الحاجة ام الحسن اكتفت بالقول “انا قاعدة ساكت على الله؛ ياهو وليدي كان يوم لقى بجيب لينا. وكان ما لقي ياهو نقعدو. وترى المسكين بعيش على جارو”.
فوضى النظام الحاكم
من جهته يقول الطالب محمد احمد من جامعة الخرطوم احتجاجهم على الوضع الاقتصادي القائم الآن ضد الفقر وضد الجوع، يشير إلى انهم يسيرون الى اتجاه شائك ومعقد. خلال فترات محددة كل شيء ارتفع سعره مؤكداً لـ(عاين) أهمية التظاهر لإرسال رسالتهم للدولة، وانهم ضد هذا الارتفاع الجنوني للاسعار، مطالباً الحكومة السودانية بالتراجع عن قرارها غير المسؤول. ويرى محمد احمد بدل ان تدعم الحكومة الاحتياجات الاساسية للمواطن، تقول للمواطن “يجب ان تدعم نفسك بنفسك، ونحن لسنا مسؤولين منك”؛ موضحا ان من خرجوا للشوارع اكدوا انهم ضد هذه الفوضي التي تقوم بها السلطة الحاكمة. ويذهب في ذات الاتجاه المواطن دراجي ادم الذي قال لـ(عاين) ان التظاهرات الاخيرة في السودان هي عبارة عن جهود شعبية متفرقة، وليست ذات اطار منظم، لغياب القوى السياسية في المشاركة ضد قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية، ويضيف ان المعارضة ضعيفة، وفشلت ان تلعب دور رئيسي في تعبئة الشارع السوداني.
اجاز البرلمان القومي موازنة 2018 التي تصدرها الامن والدفاع بـ 20 مليار و343 مليون، منها مبلغ 11 مليار و507 ملايين لوزارة الدفاع، وخصص مبلغ 4 مليار و654 مليون لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ومبلغ 4 مليار 170 مليون جنيه لقوات الدعم السريع.وبلغت مصروفات الأجهزة التشريعية والرئاسية والتنفيذية القومية، ، 2 مليار و400 مليون وخصص للمجلس الوطني، 420 مليون و623.252 الف جنيه، ومجلس الولايات 37 مليون و497.592 ألف جنيه، فيما بلغت ميزانية وزارة شؤون رئاسة الجمهورية مليار و221 مليون، و ديوان المراجعة القومية 514 مليون و292.545 الف جنيه، وخصصت لوزارة مجلس الوزراء مبلغ 119 مليون . موازنة وصفها الخبير الاقتصادي خالد التيجاني بالحربية بامتياز قائلاً (إحداث السلام سيوقف الإنفاق العبثي، ويشجع عملية الانتاج، فالحرب غير منتجة وستجعل أجندة الموازنة حربية بامتياز) موضحاً ان ضعف تمويل الخدمات كان واضحاً في ميزانية 2018 ( الانفاق على الصحة والتعليم في الميزانية يساوي 2% بينما وصلت ميزانية الأمن والجيش والدعم السريع ما يعادل 16% والشرطة الى 8% والانفاق على التنمية كاملاً يعادل 12% فثلث الانفاق بمشي لصرف ذو طابع عسكري او امني او شرطي لذلك وقف الحرب لازم).
من جهته قال استاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حامد علي. انهيار الاقتصاد السوداني بالشيء الطبيعي كنتيجة للتخبط العشوائي الذي تمارسه الحكومة السودانية منذ مجيئها السلطة في العام 1989. (لابد ان تنهار الموازنة ودي نتيجة منطقية للتخطيط الفاشل والعبث بموارد البلاد، لحكومة غير مسئولة تخلت عن عقدها الاجتماعي، بدل ان تكون دولة تنموية اصبحت دولة جبايات وحروب ودولة عطالة من مجموعة عطالة سياسين يعج بهم الجهاز التنفيذي). واستطرد قائلاً: (الصرف على الحروب صرف عظيم جدا، ايقاف الحروب مسالة ضرورية، لانها عملت على تعطيل الإنتاج وتدمير البنية التحتية و الإنسان حتى في اخلاقه. ايقافها ضروري. يضعنا في الاتجاه الصحيح خاصة وان الصرف على الحرب يكلف 5 مليار دولار سنويا. فهذا مبلغ ضخم جداً يساوي عشرات الاضعاف على صرف المؤسسات الخدمية و اكثر من 20 ضعفاً لدعم الخبز السنوي).
الضريبة الجمركية والبنك الدولي
كان لزيادة الضريبة الجمركية الاثر الواضح في الزيادات التي شهدتها الميزانية، مما ادى الى ارتفاع مضطرد في الاسعار. ويرى خالد التيجاني الحاصل ليس بزيادة الضريبة الجمركية فقط قائلاً (هو الحصل هسي مش زيادة الضريبة، الحصل ده تخفيض لسعر العملة الرسمية من 6 إلى 26 جنيه في كل المعاملات، الحصل انو في أسعار متعددة ارتفعت فجأة من 6,7 دولار وهو ما يعرف بالدولار الجمركي الذي تم ضربه 18 ده تم بمفهوم توحيد الصرف، ودي توصية من صندوق النقد الدولي لتوحيد أسعار العملة . في قيمة الدولار الرسمية 18 جنيه وده طبعاً بخلي اي شئ مستورد يزيد الدقيق وغيرو). ويذهب في ذات الاتجاه د. حامد علي واصفاُ الحكومة السودانية بالعقلية الجبائية التي تعمل على حصد دخل المواطن البسيط قائلاً (الضريبة الجمركية موضوعة بطريقة غير موضوعية، وامتداد للعقلية الجبائية الشرائية. الضريبة الجمركية مضاعفتها ستزيد الاسعار وده بنعكس على الشحن ومدخلات الانتاج فيكون التصاعد في الاسعار لان الناتج المحلي لا يمكن تصديره وهذا يؤثر قطعاً على الانتاج لان الحكومة تركز على الجمارك، ولا تشجع الناتج المحلي الذي يُعتبر هو الحل خاصة اذا ما تمت مقارنة الصرف بالحد الأدنى للاجور).
وكان المجلس القومي للأجور قد قدر احتياجات الاسرة الصغيرة التي تتكون من خمسة افراد ب(5800) جنيه شهرياً. بينما يصل الحد الادني للاجور 400 جنيه شهرياً. وسط مطالبات برفعه الى 1200 جنيه .واكتفي خالد التيجاني بالتعليق على هذه الجزئية بالقول (تقرير مجلس الاجور الحكومي اكد ان الحد الادني للاجور يساوي 10% من الاحتياجات! وهنا تكمن الازمة) اما حامد علي فذهب الى ان الحد الادني المُعرف من مجلس الاجور كل يوم في نقصان. (تقرير مجلس الاجور ده كان لما الدولار في العشرينات الان الدولار ب35 وسيزيد) ولكن خالد التيجاني يرى ان اسباب التضخم المباشرة تاتي من السيولة الزائدة وطباعة العملة بشكل عشوائي(التضخم بجي من السيولة الزائد في الاقتصاد، البنك المركزي قاعد يطبع قروش من غير استناد على الانتاج. بالتالي في تضخم يترتب عليه انهيار سعر العملة) موضحاً انه (في العام الماضي البنك المركزي طبع 54% عملة إضافية ضخها في السوق وده 3 اضعاف وده السبب الأساسي للتضخم واصبحت القيمة الشرائية للعملة الوطنية متضخمة).
ذهاب النظام هو الحل الاستراتيجي
في الوقت الذي خرج فيه السودانيين هاتفين ضد الفقر وضد الجوع طالبت القوى السياسية بذهاب النظام، الذي شكل عبئاً على المواطن .يتطابق معهم في الموقف الخبراء الاقتصاديين الذين قسمو حلول للازمة الحالية الى جزءين، “عاجلة وآجلة” مع الاتفاق على ذهاب نظام الحكم كشرط اساس لضبط اقتصاد السودان. وإلا سيشهد الاقتصاد تراجع يومي يفوق حد الانهيار فخالد التيجاني يقول (تكمن الحلول العاجلة في تقليل الانفاق على الحكومة المترهلة، فهي تحصل على القروش من الشعب لصرفها على الحكومة؛ وليس الشعب فهي تصرف على 75 وزير و 18 ولاية بتشريعيها؛ سيبك من الجيش – الامن – الشرطة – الدعم السريع وشراء الولاءات السياسية) مطالباً الحكومة بالجدية في اعلان سياسة التقشف والمصداقية أمام الشعب. واضاف (المراجع العام قال بخفض الانفاق 25% وفي الموازنة طلع ان زاد 40%) اما حامد علي فيتفق مع خالد التيجاني في تقليل الصرف الحكومي، واصفاً الحكومة السودانية بالصرف على العاطلين في المواهب من اموال المواطن البسيط (75 وزير دي عطالة سياسة مقننة وجيش من التشريعين وهم عبارة عن ادوات فساد فاقدي المواهب يقودون الشعب) وطالب علي بفصل السلطات المالية قائلاً (ضرورة الفصل بين البنك المركزي ووزارة المالية، البنك المركزي هو الذي يحرك الاقتصاد وليس وزارة المالية) واصفا الحكومة بالاستمرار في العبث السياسي.
في الحلول العاجلة يرى خالد التجاني النور ان الحل يتمثل في (توجيه الجزء العام من الإنفاق على الإنتاج، قائلاً السودان بستورد ثلاثة اضاعف صادرته الحل الاسرع هو توجيه المال للانتاج بالتوسع في الزراعة للاكتفاء الذاتي) واستدرك (لكن ده داير حكومة عندها ارادة، وحكومتنا دي دايره حل بدون تمن حل للمحافظة على وضعها) ولكن حامد علي التيجاني دعا صراحة الى حكومة تكنوقراط. لأن النظام فقد اسباب بقائه، والحكومة تحولت الى ظاهرة صوتية، وليس لها حلول للأزمة الاقتصادية قائلاً (نحن في حوجة لعقد اجتماعي جديد، يجب فلسفة جديدة، ولكي يكون للنخب دورهم في هذه الدولة، لابد من تغيير جذري في تفكير ادارة الموارد بتوجيهها للأولويات، وهي التعليم والصحة الطاقة، يجب ان نمشي في هذا الاتجاه. النظام فقد مبررات وجوده. عمر البشير اصبح ظاهرة صوتية وهو اس البلاء. لابد من حكومة تكنوقراط لادارة البلاد للمحافظة على دماء اهل السودان وعلى البلد ارضاً وشعباً).