شبكة عاين – ٣٠ مارس ٢٠١٧
يعود قانون النظام العام إلى العام 1984 عندما أعلن الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري قوانين الشريعة الإسلامية، عرفت حينها بقوانين سبتمبر 1983، وقد وجدت مقاومة شرسة من
معظم السودانيين في ذلك الوقت، بل بسبب مقاومة تلك القوانين تم إعدام زعيم الحزب الجمهوري الأستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 عندما وصف تلك القوانين بإنها غير شرعية و إستبدادية، ولكن ظلت هذه القوانين موجودة ولم يتم إلغاؤها خلال فترة الحكم الديموقراطي (1986- 1989).
بعد وصول الحركة الإسلامية للحكم عن طريق الإنقلاب العسكري، شرعت قانون النظام العام، الذي يحتوي على عدة مواد تتعلق بالمظهر العام. حيث يصادر قانون النظام العام أبسط الحقوق من المواطنين مثل ارتداء الزي، الرقص، الاستماع إلى الموسيقى، إختيار شكل المظهر الشخصي. ويطبق القانون في كل ولايات السودان ولكن ولاية الخرطوم هي الأكثر تمسكاً به.
ضحايا القانون
تتعرض العديد من النساء لإنتهاكات قانون النظام العام في السودان بصورة مستمرة، وأبشع الأحداث المقترنة به هي حادثة إغتيال السيدة عوضية عجبنا برصاص القوات النظامية، في حادثة هزت أركان المجتمع السوداني، وأيضاً من أبرز الأحداث المرتبطة بهذا القانون هي قضية الصحفية لبنى أحمد حسين التي عرفت بقضية “صحفية البنطال”، وتبعها في ذلك ملاحقة الناشطة أميرة عثمان بسبب عدم إرتداءها غطاء الرأس “الطرحة”ـ
وفي حادثة كانت هي الأغرب قامت شرطة النظام العام بضبط فتيات مسيحيات بعد خروجهن من الكنيسة، وتم توجيه المادة 52 ، تهمة إرتداء الزي الفاضح، وتمت محاكمتهن بالرغم من ديانتهن المسيحية. كما قامت الشرطة بتنفيذ أكثر من حالة جلد، أبرزها كانت جلد الشابة سوسن بسبب إرتداء البنطال في الشارع العام، كما تم جلد سيدة إشتهرت بقضية قدوقدو. ويرى بعض القانونيين والعاملين في الحقل الانساني إن اكثر الشرائح عرضة لإنتهاكات قانون النظام العام هي شريحة نساء الهامش السوداني العريض.
إبتزاز الشرطة
حسينة أحمد كافي، أم لـ 5 أولاد وبائعة شاي، تروي مأساتها مع قانون النظام العام في الخرطوم في حملة مطاردة النساء والتي عرفت بـ (الكشات) وهي حملات تقوم بها الشرطة ضد بائعات الشاي فى بعض المدن السودانية، وتقول حسينة: “هنالك مزاج في تطبيق هذا القانون، بعض أفراد الشرطة يقومون بإعتقال بائعات الشاي بهدف ابتزازهن فقط، وإجبار المرأة على تلبية رغبات الشرطي أو الضابط الذي معه”، ومضت في ذات الاتجاه الناشطة جليلة خميس مؤكدة إستغلال أفراد الشرطة لضعف النساء وتحويل القانون كأداة للإبتزاز والنهب بعد مطاردة وتشريد العديد من النساء. كاشفة عن أحداث متفرقة في العاصمة القومية وولاية الجزيرة تؤكد ضلوع أفراد الشرطة في عمليات نهب وسلب وإبتزاز.
وصفت الناشطة سعدية الشيخ أفراد شرطة النظام العام بالغير مؤهلين اخلاقياً، فضلاً عن أن القانون نفسه أكبر منتهك لحقوق الإنسان في السودان، خاصة وأن القانون نفسه به مواد غير أخلاقية، تقول سعدية لـ(عاين) أن المادة 152 تنتهك خصوصية المرأة.
سجون وغرامات
من جهتها قالت الناشطة في قضايا المرأة بالسودان إحسان عبد العزيز أن قانون النظام العام ظل يستهدف كل فئات المجتمع وطال الصحفيات والناشطات بمجال حقوق الإنسان والناشطات السياسيات. وأوضحت أن هذا القانون وضع للحد من قدرات المرأة وتحديد فرص مشاركتها في الحياة، مستهدفاً معيشتها مثل بائعات الشاي وصاحبات المطاعم اللائى طالتهم الغرامات بمبالغ باهظة.
وفي ذات الإطار قال القانوني عبدالسلام نورين أن قانون النظام العام مصمم علي إستهداف النساء، لكن الصورة العامة في الواقع هي استهداف النساء الافريقيات، عن طريق تصور مسبق من المركز الإسلامي العروبي أن نساء الهامش الافريقيات غير منضبطات، وهذا غير صحيح على الاطلاق، وأضاف عبدالسلام نورين لـ (عاين): “تكثر حملات الاستهداف في مناطق الخرطوم الطرفية، مثل الحاج يوسف، أمبدة و مايو، وهي وسيلة من آليات السلطة لإهانة وإذلال إنسان الهامش الأفريقي، وعندما تذهب الي شارع النيل في الخرطوم، تشهد عدد كبير من نساء المركز يرتدون زي يخالف قانون النظام العام، لكن تمتعهم بسلطة المركز، لا احد يضايقهم”.
وإستبعد نورين أن تنجح حملات إلغاء هذا القانون إلا إذا تكاتف الجميع، الأمر ليس في هذا القانون وحده، بل يجب إلغاء القوانين المقيدة للحريات في البلاد، وهذا يحتاج إلى جهود جبارة، أن يلتف حولها الجميع
مطلب مستمر بإلغاءه
ورغم مطالبة لجنة الحقوق والحريات بالحوار الوطني بإلغاء قانون النظام العام، إلا أن السلطات السودانية لم تنظر فيه حتى الان، وأجمع متحدثي (عاين) على ضرورة العمل حتى يتم إلغاء هذا القانون.
حيث كشفت جليلة خميس عن تحركات وخطوات عملية تجري الان للوصول الى الغاء القانون وفي الوقت الذي إكتفت فيه الناشطة سعدية بالمطالبة بإلغاء القانون، كشفت إحسان عبد العزيز عن العديد من الأنشطة والمبادرات التي تعمل على إلغاء القانون، كاشفة عن أن التنظيمات النسائية أبرزها “لا لقهر النساء” أقامت العديد من الحملات المناهضة، وستنظم في القريب حملات أخرى للوصول الى الغاية وهي الغاء قانون النظام العام وقوانين أخرى تنتهك حقوق الإنسان.