لقد ساد الغموض وعدم الشفافية حول ما يسمى بصندوق تنمية القطاع الغربي الذي أنشئ في العام ٢٠٠٩ والذي كان من المفترض ان ينشئ العام ٢٠٠٥ بناء على اتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ التي خصت قبيلة المسيرية بنسبة ٢٪ من عائدات النفط المنتج في المنطقة.
وقد ماطلت الحكومة المركزية في الخرطوم من دفع هذه النسبة حتى العام ٢٠٠٩ عندما أنشئ صندوق تنمية القطاع الغربي، المعني في منطقة المسيرية الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي لولاية غرب كردفان الحالية. وكانت المنطقة جزءا من ولاية جنوب كردفان حتى العام ٢٠١٢ بعدما قامت الحكومة السودانية بتقسيم جنوب كردفان إلى ولايتين “جنوب كردفان وغرب كردفان”.
وبعد ضغوط سياسية ومن القيادات الأهلية تم انشاء صندوق “تنمية القطاع الغربي” لإيداع أموال تصل نسبتها (٢٪)، وتم ذلك بعد ضغوط من القيادات في جنوب كردفان ومواطني مناطق الإنتاج في غرب كردفان. وأوضح مدير مكتب المدير التنفيذي السابق للصندوق هاشم علي نمر، الذي كان قد كشف حجم الفساد والتلاعب الذي تم بأموال الصندوق مما جعله يتخلى عن وظيفته، أن إتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥ خصصت نسبة (٢٪) من البترول المنتج في منطقة أبيي للمسيرية وفقا لبروتوكول منطقة أبيي، وتشمل الحدود الجغرافية للمنطقة حقل منطقة (دفره) وان النسبة المخصصة لقبيلتي المسيرية ذات الأصول العربية و(الدينكا نقوك) الإفريقية لم تخصم من جملة إنتاج النفط السوداني.
رئاسة الجمهورية لم تدفع للمسيرية نصيبهم من النفط
ويشير نمر إلى أن رئاسة الجمهورية هي التي تشرف وتتصرف كيفما تشاء على النسبة المئوية المقررة لقبيلة المسيرية وذلك منذ العام ٢٠٠٥، تاريخ توقيع إتفاقية السلام الشامل. ويؤكد نمر أن المنطقة لم تستفيد من تلك الأموال في تنميتها بل أنها وجدت الإهمال التام، وصرفت على المليشيات التي إنتشرت في المنطقة. وقد تم إنشاء الصندوق في أبريل العام ٢٠٠٩، ويقول “الأموال التي تم إيداعها لم تتضمن أموال العام ٢٠٠٥”.
ويتكون مجلس إدارة الصندوق من (٥١) عضوا من أبناء منطقة مجلس ريفي المسيرية سابقاً ويشمل كل المكون الإجتماعي من (الصهب) غرباً إلى (لقاوة) و(تلشي) شرقاً. وأعضاء المجلس الذي كان على رئاسته الدكتور حسين حمدي ونائبه رحمة عبد الرحمن وهما ممثلي المنطقة في البرلمان القومي، إلى جانب الإدارة الأهلية ومعتمدي محليات: أبيي، السلام، بابنوسة، السنط ولقاوة. كما يضم المجلس أعضاء آخرين من الحركة الشعبية من بينهم إسماعيل خميس جلاب وتية كوكو معتمد لقاوة السابق.
ويقول مصدر في المجلس طلب عدم ذكر اسمه لـ(عاين) ان هنالك فساداً حقيقياً في عائدات النفط للمنطقة باعتبار أن أكثر من خمس سنوات لم تودع هذه العائدات في حساب الصندوق. ويضيف المصدر “هذه الأموال تم الإستيلاء عليها من قبل بعض أبناء المنطقة النافذين في النظام من أمثال عيسى بشرى الذي قام بتنفيذ برنامج ما يسمى الحزام الأمني لمنطقة أبيي”. وهذا البرنامج تم فيه تجييش أكبر عدد من شباب المسيرية واستيعابهم في قوات الدفاع الشعبي وتسليحهم بميزانية مفتوحة، ويضيف “ليصبحوا حائط صد أمام الحركة الشعبية”.
منح وتدفق أموال ولا صرف على التنمية
ويعتقد المصدر أن جزء من هذه الأموال كانت تحت تصرف والي جنوب كردفان الأسبق أحمد هارون – الوالي الحالي لولاية شمال كردفان – بشكل مباشر دون الرجوع إلى مجلس إدارة الصندوق. ويقول المصدر ان هارون صرف هذه الأموال للترضيات السياسية ولشراء الذمم في إستقطاب كوادر الأحزاب السياسية الأخرى لا سيما منسوبي الحركة الشعبية والحركات المسلحة الأخرى. وقد شهدت تلك الفترة انتخابات ولاية جنوب كردفان التكميلية في العام ٢٠١١، كما تم صرف جزء من هذه الأموال أحداث هجليج ٢٠١٢.
وسبق أن وقعت الحكومة السودانية في الثاني من نوفمبر ٢٠١٥ إتفاقية منحة مع بنك التنمية الأفريقي بمبلغ (22.8) مليون دولار لصالح مشروعات إصلاح قطاع مياه الشرب والصرف الصحي، وتطوير قدرات العاملين، بجانب حل مشكلة العطش بولاية غرب كردفان. ولكن بعد أكثر من ستة أشهر وعد الرئيس عمر البشير خلال زيارته إلى مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان في أغسطس الماضي بربط الولاية بالطرق المعبدة، وتوفير كل الخدمات من مياه صالحة، صحة وتعليم لمواطني الولاية. غير أن القيادي في غرب كردفان صلاح حمدي كان قد وصف الزيارة بأنها جاءت مخيبة للآمال وأن المواطنين كانت توقعاتهم التوصل إلى حقائق حول مشروعات البنيات التحتية.
وعود دون تنفيذ
وعن حجم الأموال التي قد إستلمها الصندوق من الحكومة المركزية قال نمر “المبلغ الذي تم إيداعه في حساب الصندوق منذ أبريل العام ٢٠٠٩ حتى بداية العمل التنفيذي في أواخر نوفمبر من العام نفسه كان حوالي (٣) مليار جنيه سوداني”. ويشير إلى أن هذه المشروعات من الصندوق لم يتم تنفيذها مثل مشروع شبكة المياه في جميع مدن الولاية حيث لا زال السكان يواجهون معاناة في الحصول على مياه الشرب. لكنه استدرك قائلاً “هناك مشروعات نفذها الصندوق تتمثل في بناء المدارس بعض منها لم يكتمل بناءه والبعض الآخر توقفت عملية البناء لشح مواد البناء التي لحقتها يد الفساد”. ويوضح أن هناك أيضا كباري لاثنين من أكبر المجاري ومشروع كلية البترول وعلوم الأرض في جامعة السلام التي بدأ بها القبول فعليا منذ أكثر من ثلاثة أعوام، رغم النقص الحاد في كل الجوانب من بيئة جامعية إلى عدم توفر معامل وورش ومعلمين وان الكلية أصلا كانت في السابق مدرسة ثانوية تعرف بمدرسة (خور عرديبة) في مدينة المجلد وقد تم تحويلها إلى كلية جامعية تماشيا مع سياسة التعليم العالي التي انتهجها النظام الحاكم.
ويرى المواطنون في الولاية أن كثير من المشروعات كان على الصندوق أن ينفذها، وتوقعوا أن يتم تنفيذ تلك المشروعات في المنطقة بناءاً على مستحقات الصندوق من إجمالي عائدات البترول في المنطقة. الجدير بالذكر أن الصندوق ما زال يعمل لكن تم تحويله إلى هيئة إشرافية لأبيي، التي تتبع إدارتها إلى رئاسة الجمهورية وهي مسئولة عن إدارة منطقة أبيي من جانب المؤتمر الوطني وفق اتفاق بين دولتي السودان وجنوب السودان في العشرين من يونيو ٢٠١١. ومن ضمن بنود الإتفاقية نشر قوة حفظ سلام أممية تحت البند السابع لحماية المدنيين، وتعرف بـ(اليونيسفا) قوامها قوات إثيوبية، وبموجب الإتفاقية تم تشكيل إدارة مشتركة بين البلدين.
وكان مواطنو لقاوة قد جمعوا (٢٠) ألف توقيع يرفضون ضم منطقتهم إلى ولاية غرب كردفان، وقد نفذوا إعتصاماً إستمر لأكثر من ثلاثة أشهر إحتجاجاً على عدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها في تحقيق التنمية في المنطقة.