٢٥ سبتمبر ٢٠١٣
بينما كانت حنان الزين (٥٥ عاماً) تعمل في حقلها الواقع بقرية أم سردبة صباح الخامس من سبتمبر الجاري. سمعت صوتاً مرعباً لطائرة عسكرية تطير بسرعة غير معتادة فوق بلدتها. كانت تعلم كغيرها من سكان جنوب كردفان أن هذه الطائرة تابعة للجيش السوداني. الذي اعتاد منذ عامين على قصف هذه المناطق التي تتصارع فيها الحكومة مع الحركة الشعبية – شمال. ما لم يكن معتاداً هذه المرة هو أن هذه الطائرة كانت أكبر بكثير من الطائرات التي اعتادت على سماع صوتها فوق سماء بلدتها، والأهم أنها ألقت ٤ قنابل كبيرة سقطت دفعة واحدة من نفس الطائرة. كان من بينها قنبلة أصابت شظاياها حنان، وأحرقت حقلها.
سجلت (عاين) هذه الحادثة ضمن تقريرها للقصف الأسبوعي بداية هذا الشهر. ضمن حصيلة من عمليات القصف استطاعت (عاين) أن تسجل فيها ١٢٠٠ قنبلة سقطت خلال عام واحد، وكانت هذه المرة الأولى التي يسجل فيها استخدام القوات الجوية السودانية لطائرات سوخوي Su-24 التي دخلت إلى الخدمة مؤخراً. عدة مواقع إخبارية على الانترنت ذكرت أن مصدر هذه الطائرات والتي قدرت بأنها ١٢ مقاتلة على الأقل هو من جمهورية بيلاروسيا، التي تعتبر مصدراً رئيسياً للأسلحة الثقيلة بالنسبة للحكومة السودانية منذ فترة طويلة، وسبق أن اشترت منها طائرات Su-25 الأصغر حجماً والأقل قدرة.
وكان موقع (جانيس ديفينس) المتخصص في الشئون العسكرية قد ذكر في تقريرين منفصلين أن الجيش البيلاروسي كان قد أعفى من الخدمة ٣٧ طائرة سوخوي من طراز Su-24 مؤخراً. في حين نشرت على الموقع صور ملتقطة بالأقمار الصناعية لقاعدة وادي سيدنا الجوية (٣٠ كلم شمال العاصمة الخرطوم) أبرزت ما لا يقل عن ثلاث طائرات سوخوي من نفس الطراز.
لا يبدو من الواضح إذا كانت هذه الصفقة الأخيرة هي جزء من التعزيزات الدورية التي تقوم بها القوات الجوية السودانية لأسرابها، أم أنها إجراء استثنائي لتغيير الوضع العسكري على الأرض في مناطق الصراع مع الجبهة الثورية بكل مكوناتها التي تضم الحركات المسلحة المتمردة في مناطق السودان المختلفة (كردفان، النيل الأزرق و دارفور) ولكن إذا ثبتت صحة هذه التقارير فإن هذا يعني أن الطائرة الواحدة من صفقة الـ١٢طائرة سوخوي Su-24 تكلف حوالي نصف مليار دولار. بواقع ٣٦ مليون دولار للطائرة الواحدة. يضاف إلى ذلك المصاريف الإضافية المتعلقة بالتدريب والصيانة وتجهيزات الدخول إلى الخدمة.
يذكر أن الموازنة العامة لحكومة السودان للعام ٢٠١٣ تقدر بحوالي ٢٥ مليار جنيه سوداني (حوالي ٦ مليار دولار) تذهب أكثر من ٧٠% منها للأمن والدفاع. في وقت تعاني فيه السودان من أزمة اقتصادية طاحنة. بعد استقلال جنوب السودان الذي كانت عوائد صادراته النفطية المصدر الأساسي للدخل الحكومي، وفي ظل استمرار الحرب في مناطقها المختلفة قررت الحكومة في يوم ٢٣ سبتمبر الحالي رفع الدعم عن المحروقات. بحيث يرتفع سعر جالون البنزين من ١٢،٥ إلى ٢١ جنيهاً، والجازولين من ٨ إلى ١٤ جنيهاً، وهو ما يؤثر على أسعار بقية السلع بما فيها تعرفة المواصلات العامة.
أدى القرار الأخير للحكومة إلى اشتعال موجة من الاحتجاجات في مناطق مختلفة من السودان عشية يوم الاثنين ٢٣ سبتمبر. كان أبرزها في ود مدني وأم درمان وعطبرة، قامت خلالها الشرطة بتفريق المتظاهرين بالقوة. في حين أحرق على الأقل مقر واحد لحزب المؤتمر الوطني الحاكم خلال المظاهرات. يعتقد أنه وقع ضحيتها الكثير من الجرحى، في حين لم يتم التأكد من أعدادهم أو أعداد القتلى، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة موجة مستمرة من التظاهرات في الوقت الذي أعلنت فيه بعض المبادرات الشبابية على مواقع التواصل الاجتماعي رغبتها في تنظيم المزيد من التظاهرات والتنسيق لها.
وبغض النظر عما ستسفر عنه هذه الأحداث الحالية، فإنه من الواضح أن الوضع السوداني بكل تعقيداته وأزماته المتشعبة آخذ في التدهور. فإن زيادة فاتورة الحرب على مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق لا يزيد فقط من المعاناة الإنسانية لسكان تلك المناطق من القتل والجوع والنزوح، ولكنه يؤثر أيضاً على الوضع الاقتصادي للسكان في المناطق الأخرى شمالاً. وإن كان المواطنون في الوسط (الخرطوم ومدني وغيرها) لا يعبرون عن سخطهم نتيجة استمرار القتال جنوباً لأسباب مختلفة كالتعتيم الإعلامي والبعد الجغرافي والاختلاف الاثني، إلا أن ازدياد الأعباء الاقتصادية على مواطني تلك المناطق يجعلهم واقعين تحت التأثيرات الناجمة عن المصدر نفسه، ففي الوقت الذي تواصل الطائرات الحربية تحليقها فوق سماء جنوب كردفان، وجراح حنان الزين لم تلتئم بعد، فإن مواطناً سودانياً في وسط السودان لم يجد أجرة حافلة تقله إلى عمله قد اشتعل غضباً.