تقرير: عاين 29 أبريل 2027
شرعت السلطات السودانية في إقامة مصانع لتكرير ونظافة الذهب في عدة مناطق بالسودان، دون أدنى إهتمام لرفض الأهالي بالمناطق المستهدفة وهي مناطق السدود أقصى شمال السودان (صواردة) ومناطق ولاية جنوب كردفان، كادوقلي، كلوقي، تلودي ثم ابوجبيهة، هذه المناطق تعتبر من أكبر مناطق جنوب كردفان والأكثر اكتظاظاً بالسكان، ولكن رغم ذلك شرعت وزارة المعادن، في إقامة مصانع للكرتة.
وأغلب تلك المصانع تستخدم مادة (السيانيد) المحرمة دوليا، والتي تسبب أمراض عديدة، وتصيب الإنسان والبيئة بأضرار عديدة. وبسبب أضرار مادة (الكرتة) قامت مناهضة واسعة من قبل السكان في كل المواقع المستهدفة لمنع إقامة المصانع فيها. وتشهد مناطق تعدين الذهب تعبئة رافضة لإقامة المصانع. حيث شهدت كل من تلودي، و كلوقي بجنوب كردفان عمليات إحراق كاملة لمصانع الكرتة، بينما رفض أهالي منطقة صواردة شمال السودان تنفيذ المصنع، فقاموا بإغلاق الطريق الرابط بين دنقلا وحلفا، مما أضطر والي الولاية للتدخل، واعداً بمعالجة الأمر بعد إشتباك المناهضون مع الشرطة.
أضرار السيانيد
أكدت البحوث والدراسات التي أجريت أن مادة السيانيد تلحق أضراراً كثيرة بالإنسان. وقال الباحث المتخصص في الأمراض الجلدية د. علم الدين مصطفي إن (الكرتة) تسبب أمراض طويلة الامد، اذا انها ترتبط بالأرض لفترات زمنية طويلة، مما يزيد من أضرارها على الأجيال المتعاقبة على المنطقة المعنية، وزاد قائلاً: (تخلف الكرتة إشعاعات كيميائية تصيب الحرث (الزراعة) ببعض الأضرار، خاصة زراعة الموالح والطماطم والموز، كذلك البقوليات، فتصبح المادة الغذائية حاملة لمواد مُسرطنة بطول الأمد). أما اذا نظرنا الى الفترة الزمنية القصيرة فإن (الكرتة) تسبب أمراض جلدية للعاملين فيها. وبما أن المصانع تتخذ القرى مقراً لها، فمن الطبيعي أن العاملين بها من أهل القرى. وأضاف د. علم الدين:(إذا أصابت (السيانيد) جسم الإنسان قد تزيل الطبقة العليا منه. ولن تنمو اطلاقاً لأنها تقتل خلايا النمو في الجسم. اما بالنسبة للأضرار البيئية المتعلقة بالحيوان اثبتت الدراسات ان مادة السيانيد تؤدى إلى نفوق الحيوانات برية كانت أم برمائية كالطيور والأسماك . لذلك تم تحريمها دولياً . وتساءل د علم الدين. لماذا تعمل السلطات السودانية على إقامة مصانع في مناطق آهله بالسكان مكتظة بالموارد، وهي تدري سلفاً حجم الأضرار التي تصيب الإنسان؟
الكرتة القاتلة
وذهب في ذات الاتجاه د. ياسر لتل الباحث الكيميائي والخبير الدولي في مجال الكيمياء أن معظم دول العالم منعت استخدام السيانيد للمخاطر التي يحدها وصعوبة التحكم فيه مباشرة، موضحاً لـ(عاين) إن كمية صغيرة لا تتجاوز (2 جرام) كافية لقتل الإنسان والحيوان خلال ثواني، وأضاف قائلاً: (من أخطر أضرار مادة الكرتة هي التسرب إلى المياه الجوفية ). ومعروف أن بعض المواطنين في السودان يعتمدون في المواطن على الشرب من الآبار، والتي تتلقى المياه من جوف الأرض وتارة من السيول والأمطار الغزيرة التي تملاً الآبار مهما طال عمقها . وهذا ما يؤدي إلى إختلاط المياه التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية. وقد يعود ذلك بأمراض كثير على الإنسان والحيوان. بينما وصف حمود قبول بأن الحكومة تقيم هذه المصانع دون توفير إجراءات السلامة الأولية ، ويقول بإنها خطوة إبادة جماعية بعيدة المدى، وحذر ياسر من مغبة نقل مصانع (الكرتة) من مناطق أخرى بالسودان الى ولاية جنوب كردفان، واصفا الخطوة بعدم المسئولية والاهتمام بشعب المنطقة الذي يعاني من حروب وقتل خارج القانون، إلى قتل بسبب مخلفات التعدين، موضحاً أن هناك تحركات كثيفة من قبل الباحثين السودانيين وسط المنظمة الدولية لحماية البيئة لتسليم تقارير وبحوث حول شروع الحكومة في انشاء مصنع (الكرتة) و استخدام السيانيد في مناطق محددة بالسودان، لإيقاف هذه المصانع بالقانون الدولي لأن القانون السوداني لا يستطيع إيقاف ذلك.
مصنع الموت
أطلق مناهضي السيانيد في السودان على مصانع الكرتة اسم مصنع الموت، ونظم مواطني جنوب كردفان حملات مناهضة واسعة التقوا من خلالها السلطات السودانية مطالبين بإيقاف المصانع وإغلاقها . ولكن السلطات لم تعيرهم أدنى اهتمام وقال عضو لجنة مناهضة السيانيد بمنطقة كالوقي محمد قدوم لـ(عاين) اتخذنا كل الخطوات بداً من الاتصال بالحكومة المحلية ثم الولائية والقومية منذ العام 2015 لإيقاف هذا العبث. حيث التقينا والي جنوب كردفان السابق ادم الفكي الذي وعدنا بدراسة الأمر. ثم لحقه باعتقال لكل الناشطين باشرافه . طال الاعتقال مجموعة شباب من كالوقي وأبو حبيبها وتلودي. بعد إطلاق سراحنا قمنا بتشكيل وفد من كل مكونات المنطقة، ولكن ثالثة الأثافي كانت اثناء اجتماعنا مع وزارة المعادن، التي شرعت الشركات فى استيراد آلياتها وبدء العمل بجد في إقامة المصنع وسط إغراءات لبعض السكان ، وتهديد الآخرين كان ذلك في أواخر العام 2016 . موضحاً ل(عاين) ان الخطوة كانت غاية في الاستفزاز والتلاعب بمصائر المواطن البسيط الذي يجهل أدنى حقوقه. ولكن ردة الفعل كانت بمقدار تجاهلهم حيث غادرنا الخرطوم وبالترتيب مع بعض الشباب الناشطين وحين وصولنا قمنا بإحراق المصنع على الفور، قاطعاً بأنه لن ينشئ مصانع في كالوقي إلى على أجسادهم . وفي ابوجبيهه افشلت عمليات المقاومة القوية إنشاء المصنع بقرية (مريفعين) الواقعة جنوب غرب المدينة ، وقال عضو لجنة المناهضة، رقم تواطؤ معتمد المحلية وبعض أعيان الإدارة الأهلية مع السلطات الى اننا نجحنا في عدم إقامة مصنع الكرته الذي شرعت السلطات فعليا في اقامته الا انها توقفت. وقال خليل: (مصنع الموت لن يقام في منطقتنا مهما كلف الأمر وفي حال إصرار السلطات على إقامته سنتخذ الاجراءات اللازمة في حينها).
نفوق الأسماك
اما بشمال السودان فقد حولت لجنة مناهضة السدود الدولية أنشطتها لمكافحة التعدين الأهلي في مناطق السدود وقال الناطق الرسمي باسم اللجنة الدولية لمناهضة السدود أنهم الآن يعملون على مكافحة مصانع الكرتة المضرة بالإنسان والحيوان حسب تعبيره، وأضاف بآثار التعدين ولكن هناك تفشي للسرطانات ونفوق أسماك بكميات كبيرة من النيل. دون وجود تقارير تؤكد ذلك . لكن وفق الدراسات الدولية فإن السيانيد يؤدي إلى هذه الظواهر التي انتشرت في مناطق السدود مع التعدين الاهلي واستخدام الزئبق والكرتة وسنعمل في القريب القادم على توفير المعامل وإقامة منابر وتوعية للوصول إلى الإحصائيات الحقيقية . فقط الان جهودنا تقتصر على الوقفات الاحتجاجية والتعابير الرافضة لإقامة السيانيد قبل تفشى الأمراض التي أشار إليها باحثون ومختصون من كافة بقاع العالم . وكان مواطني منطقة صواردة شمالي السودان قد نظموا وقفات احتجاجية قطعوا فيها الطريق المؤدي الى دنقلا رفضاً لإقامة مصانع الكرتة.
ولكن ورغم حملات المناهضة والواسعة لإقامة مصانع السيانيد خوفاً من تفشي الأمراض التي أثبتتها متخصصون وتحريمها هذه المادة دولياً إلا أن وزارة المعادن تصر على كفاءة مادة السيانيد بنسبة 90% وهذا أمر قد يثير حفيظة المواطن وقد يرجح اشتباكات جديدة بين المواطنين والسلطات السودانية.